الهجوم الجوي الإسرائيلي على الدوحة لم يكن مجرد عملية عسكرية؛ بل شكّل نقطة تحول في العلاقات الأمريكية مع العالم العربي. هنا، برز السؤال الأساسي: هل واشنطن مستعدة للتضحية بأمن حلفائها التقليديين في الخليج الفارسي من أجل الحفاظ على الرابط الاستراتيجي مع تل أبيب؟
إيران فيو24 – دولي
الهجوم الجوي الذي شنّه الاحتلال الإسرائيلي على الدوحة في 18 شَهرِیور 1404 (9 سبتمبر 2025)، والذي استهدف اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية في قطر وأسفر عن مقتل عدة مدنيين وضابط أمني قطري، أثار تساؤلات جوهرية حول طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي. لم يقع هذا الهجوم عند حدود فلسطين وإسرائيل، بل في قلب أحد الحلفاء الاستراتيجيين لواشنطن في الخليج الفارسي، حيث كانت الولايات المتحدة على علم به، واستجابتها الحذرة أوجدت شكوكًا جدية لدى الحلفاء العرب في المنطقة: بالرغم من التكاليف المالية والسياسية والاجتماعية الضخمة التي تتحملها الدول العربية لصالح واشنطن، ما موقعها الفعلي في الحسابات الاستراتيجية الأمريكية؟
ركائز السياسة الأمريكية في المنطقة
لطالما ارتكزت سياسة الولايات المتحدة في غرب آسيا على ركيزتين: «العلاقات مع العرب» و«الدعم لإسرائيل». إلا أن التطورات الأخيرة، وخصوصًا الدعم غير المشروط من واشنطن لتل أبيب في حرب غزة والقضية الفلسطينية—التي تُعد قضية وجودية وهوية بالنسبة للعالم العربي—أظهرت أن ميزان السياسة الأمريكية يميل بالكامل لصالح إسرائيل.
في الواقع، ترتكز السياسة الأمريكية في المنطقة على مبدأ تدفق الدعم العسكري والدبلوماسي والسياسي لإسرائيل، مما يمنح تل أبيب اليد العليا في المعادلات الإقليمية تجاه العرب. هذه العلاقة الخاصة حولت إسرائيل إلى فاعل قادر على اتخاذ إجراءات جذرية حتى ضمن أراضي الحلفاء العرب للولايات المتحدة، دون خوف من العواقب الإقليمية والدولية.
رد واشنطن وتداعياته
بعد الهجوم على الدوحة، حاولت الحكومة الأمريكية التباعد عن العملية، مؤكدة أن قصف أراضي دولة ثالثة لا يساهم في تحقيق الأهداف المشتركة. ومع ذلك، فسّر الصمت المعبر والاستجابة الجزئية لواشنطن من منظور الدول العربية على أنه دعم ضمني أو تغاضٍ عن انتهاك صارخ لأمنها القومي وسيادتها الإقليمية.
هذا النهج عزز مرة أخرى الرأي القائل إن واشنطن مستعدة للتضحية بأمن حلفائها العرب لصالح الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة. ولهذا، تواجه دول الخليج الفارسي، التي بنت أمنها لعقود على ضمانات واشنطن، خرقًا واضحًا للالتزامات في إطار التحالف الاستراتيجي.
فقدان الثقة وإعادة تعريف التحالفات
يرى المحللون أن النتيجة الطبيعية لهذا الوضع هي زيادة عدم الثقة تجاه واشنطن، ومن ثم إعادة النظر المحتملة في العلاقات الأمنية معها. وفي الوقت نفسه، يزداد الإدراك المشترك للدول العربية حول التهديد الإسرائيلي، مما يعزز إمكانية زيادة التماسك ضمن إطار الخليج الفارسي والعالم العربي.
مع ذلك، استنادًا إلى نمط سلوك قطر والدول العربية الأخرى في المنطقة، يبقى هناك شك فيما إذا كان العرب ما زالوا يمنحون واشنطن فرصة لإعادة النظر في سياساتها.
وبذلك، تواجه واشنطن معضلة صعبة: الحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل أو تقديم طمأنة فعلية لحلفائها العرب. وقد أظهر الهجوم على الدوحة أن واشنطن، عمليًا، تقف إلى جانب إسرائيل—حتى لو كان ذلك على حساب تآكل ثقة الحلفاء العرب وإعادة تعريف الخريطة الأمنية الإقليمية.
آفاق المستقبل
من المرجح أن تواصل الولايات المتحدة سياسة مزدوجة بين العرب وإسرائيل: على السطح تدعو إلى خفض التصعيد ووقف إطلاق النار، وفي الواقع تعزز إسرائيل. هذا الوضع يضع خيارًا حاسمًا أمام الدول العربية:
-
هل ستواصل دعم إسرائيل من خلال منح واشنطن مزيدًا من الامتيازات؟
-
أم ستتجه نحو التعاون الأمني مع القوى الناشئة مثل الصين وروسيا في إطار دفع العالم متعدد الأقطاب؟
بالمحصلة، لم يقتصر الهجوم الجوي الإسرائيلي على الدوحة على دفع العلاقات بين الدوحة وتل أبيب إلى أزمة جديدة فحسب، بل كشف أيضًا عن محدوديات وتناقضات السياسة الأمريكية في المنطقة. من خلال دعمه الضمني لإسرائيل وعدم الدفاع الحازم عن الحلفاء العرب، تسهم واشنطن دون قصد في عملية إعادة تعريف التحالفات والائتلافات في الشرق الأوسط. مسار قد يؤدي، إذا استمر، إلى تقليص النفوذ التاريخي للولايات المتحدة وفي الوقت نفسه تعزيز القوى المنافسة في المنطقة.
الخلاصة الاستراتيجية – تحرير إيران فيو24
أظهر الهجوم على قطر أن «إعطاء الأولوية المطلقة لأمن إسرائيل» لم يعد مجرد تصور نظري في العالم العربي، بل أصبح واقعًا ملموسًا. وقد عمّق هذا الحدث الفجوة التاريخية بين شعارات واشنطن حول «استقرار المنطقة» وسلوكها العملي.
والتداعي الاستراتيجي لهذا المسار هو ازدواجية الأمن في غرب آسيا:
-
من جهة، تتخذ إسرائيل، بدعم غير مشروط من الولايات المتحدة، إجراءات مخاطرة أكثر جرأة ضد العرب.
-
ومن جهة أخرى، تعيد الدول العربية تدريجيًا النظر في تحالفاتها التقليدية، خيار قد يمتد من تعزيز التعاون الإقليمي إلى التوجه نحو القوى الناشئة مثل الصين وروسيا.
وبذلك، بينما تسعى الولايات المتحدة لإدارة ازدواجية «الحفاظ على التحالف مع إسرائيل مع طمأنة العرب»، أظهر الهجوم على الدوحة أن واشنطن، في اللحظات الحرجة، تميل إلى تل أبيب—حتى لو كان ذلك على حساب تآكل ثقة الحلفاء العرب وإعادة رسم خريطة الأمن الإقليمية. هذه النقطة تمثل لحظة انتقال تدريجي لتوازن القوى الإقليمية من واشنطن إلى القوى المنافسة.