FA | EN
2025-08-27 02:53
FA| EN
2025-08-27 02:53

اشتراک گذاری مطلب
مقالة خاصة للدكتور إبراهيم متقي، أستاذ في جامعة طهران، في *إيران فيو24

إيران، الأمن الهشّ والعالم المضطرب

تقف إيران في وسط بيئة حرجة وعالم مضطرب؛ عالم يشبه أكثر من أي وقت مضى عام 1938 وظلال الحروب المدمرة. فماذا يجب على إيران أن تفعل؟

الدكتور إبراهيم متقي، أستاذ في جامعة طهران

تكون المنعطفات التاريخية مرتبطة بعلامات الأزمة، وعدم الاستقرار، والأمن الهش. وأي تشكّل للسياسة العالمية في فترات الأزمات يؤدي إلى ظهور «العالم المضطرب». في مثل هذه الظروف والفترات التاريخية، تتغير العديد من استراتيجيات السياسة العالمية، وسنشهد علامات عدم الاستقرار، والاضطراب، وتحديات متصاعدة. إن الأزمة في النظام العالمي ترتبط بالظروف التي ترافقها تغييرات في التشكيلات الهيكلية للأمن الإقليمي والسياسة العالمية.

تقع إيران في المجال الجيوسياسي لـ«البيئة الحرجة» و«المنطقة المضطربة». ومن الطبيعي أن أي تغييرات هيكلية يمكن أن تترك أثرها على الفضاء السياسي والأمني لإيران. إن اجتياز الفضاء السياسي والجيوسياسي للمنطقة المضطربة له أهمية من حيث أن العلاقات المتبادلة بين الدول تتشكل على أساس الضرورات الهيكلية. وفي ظروف الأزمة، تحتاج كل دولة، بما في ذلك إيران، إلى الاستفادة من آليات «إدارة الأزمات الإقليمية والدولية».

إن تجاوز الظروف الهشة لأزمات الأمن الإقليمي لن يكون ممكنًا من دون الاستفادة من الآليات المرتبطة بـ«استراتيجية البقاء». ففي فترات الأزمات، يواجه النظام العالمي علامات تحديات أمنية، وبالتالي يُمهد الطريق لظهور «الحروب الإقليمية»، و«الاضطرابات المتصاعدة»، و«تزايد عطش القوى الكبرى للتوسع الاستراتيجي». إن العديد من علامات العصر الراهن في العلاقات الدولية تشبه المؤشرات الأمنية للعالم عام 1938.

في عام 1938 كان هتلر يشعر أنه يمتلك القدرة اللازمة للسيطرة على النظام العالمي الجديد. كما كان هتلر يسعى إلى تغيير مؤشرات القوة في السياسة العالمية، وعلى هذا الأساس حاول أن يضع علامات «الهيمنة العالمية» على جدول أعماله. تجاوز هتلر تقاليد «بسمارك» و«فيلهلم الأول» وسخّر كل قوته لاستعادة «تصورات فيلهلم الثاني». في تلك المرحلة التاريخية، تهيأت الظروف لظهور وإعادة إنتاج الحروب الإقليمية، مما أدى إلى تصاعد الأزمة.

إن تشكيلات القوة ونموذج السلوك السياسي لترامب في السياسة الدولية لها تشابه كبير جدًا مع تطورات عام 1938. فقد حاول هتلر عام 1938 أن يثبت دوره المهيمن في أوروبا والسياسة العالمية. ويمكن اعتبار «مؤتمر ميونخ» و«اتفاق سوديت» علامات على سياسة القوة لدى هتلر في عالم كان فيه التوازن الإقليمي والعالمي يعيش حالة من الغموض والتغير المرحلي. وكان تصور توسيع القوة هو الهاجس الأساسي لهتلر من أجل الفاعلية في النظام العالمي.

1 – ترامب، السياسة الدولية وإعادة إنتاج العالم المضطرب

يظهر العالم المضطرب عندما تكون التشكيلات الهيكلية ومعادلة القوة في حالة تغيرات مرحلية، من دون أن يكون أي فاعل قادرًا على السيطرة على العمليات الطاردة من المركز. في فضاء العالم المضطرب، يسعى كل فاعل إلى وضع علامات وفرص الفاعلية البيئية على جدول أعماله. وتُعتبر الأزمات المتصاعدة جزءًا من واقع لا ينتهي للسياسة العالمية في عصر دونالد ترامب. وهي أزمات تعكس سياسة ترامب في جنوب غرب آسيا، وأميركا اللاتينية، ومنطقة أوراسيا، ومنطقة القوقاز، وفي كل مرحلة تاريخية تكون مصحوبة بعلامات إعادة إنتاج هيكلي للأزمة.

يمكن ملاحظة العديد من حقائق ثلاثينيات القرن الماضي أيضًا في السياسة العالمية الراهنة. فقد سعى ترامب، حتى في سياق «مؤتمر ألاسكا» وأجواء استقباله لـ«فلاديمير بوتين»، إلى عكس علامات سياسة القوة والتغلب بذلك على مؤشرات التوازن العالمي والإقليمي. إن أدبيات «جو بايدن» الرئيس السابق للولايات المتحدة بشأن إمكانية اتساع الحروب الإقليمية وتصاعدها إلى ظهور حرب عالمية ثالثة تُعد انعكاسًا لمثل هذا التصور في مواجهة سياسات ترامب العالمية.

إن أي سياسة قوة تتشكل وتنعكس آثارها في البيئة الإقليمية عندما توجد علامات على توازن ضابط. أما في العصر الراهن، فإن الولايات المتحدة في عهد ترامب، كفاعل موازن، لا تُبدي رغبة في تبني آليات «صنع السلام عبر التوازن»، بل تسعى إلى فرض معادلة القوة في جميع المجالات العالمية، ومن ثم تهيئة الظروف لـ«ظهور الفوضى الإقليمية».

يمكن النظر إلى علامات الفوضى في البيئة الإقليمية والنظام العالمي من خلال الأزمات الإقليمية والحروب التي لا تنتهي. وهي حروب يشارك فيها بعض الفاعلين مثل إسرائيل وأوكرانيا الذين يتلقون دعمًا من الولايات المتحدة، وبذلك يصبح اختلال التوازن أمرًا لا مفر منه. وتشير حقائق العلاقات الدولية إلى أن أي تصاعد في الأزمات يُنتج الظروف اللازمة لظهور وإعادة إنتاج الحروب العالمية.

لقد نشأت الحربان العالميتان الأولى والثانية في ظروف كان فيها توازن غير مستقر في قدرات وفاعلية القوى الأوروبية، ولم يكن أي منها قادرًا على أداء دور مهيمن. وفي عام 2025 يسعى دونالد ترامب إلى متابعة ووضع شكل جديد من التوازن الإقليمي على جدول أعماله. ومن الطبيعي أن يُمهّد مثل هذا المسار الطريق للأزمة والفعل المتبادل لباقي الفاعلين. إن حضور بعض قادة الدول الأوروبية في قمة واشنطن بلقائهم مع دونالد ترامب يُظهر حقيقة أن الولايات المتحدة تسعى للاستفادة من آليات الفعل المهيمن، وهو ما يُنتج حتمًا تحديات جديدة في السياسة العالمية والإقليمية.

٢- استراتيجية إيران في عالم مضطرب

إنّ تبيين الحقائق السياسية والاستراتيجية لإيران في العصر الحالي يرتبط بمؤشّرات «الغموض وانعدام اليقين الأمني». وفي مثل هذه الظروف، من الطبيعي أن يكون احتمال عودة الحروب قائمًا. فعلى الرغم من أنّ الحرب ذات الاثني عشر يومًا بين إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران توقفت بفعل مؤشّرات «هدنة غامضة وهشّة»، إلّا أنّ العديد من المحللين الإيرانيين والدوليين يعتقدون أنّ هناك مؤشّرات على عودة الحرب وإنهاء الهدنة في طور التشكل. ويمكن اعتبار مثل هذه المؤشّرات جزءًا من الغموض الأمني في عالم يمرّ بمرحلة انتقالية.

وفي ظل هذه الظروف، تظهر مؤشّرات الوساطة في مجال السياسة العالمية. فجهود الصين وروسيا لم تُفضِ حتى الآن إلى نتيجة إيجابية وبنّاءة من أجل «ظروف وقف النزاع». ولذلك يبدو طبيعيًا أن تواجه إيران في المستقبل القريب مؤشّرات تهديد أمني جديد؛ تهديد يمكن أن يمهّد الطريق لإعادة إنتاج المرحلة الثانية من الحرب والمواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى. وكلما ظهرت مؤشّرات تهديد متصاعد، يصبح من المحتم أن تتشكّل آليات الفعل العدائي بين الأطراف المنخرطة في الأزمة والتناقضات الأمنية. وستضطر إيران، في ظل تصاعد الأزمة الإقليمية، إلى اعتماد «استراتيجية البقاء» كالمحور الرئيس لسياستها الأمنية.

في الواقع العالمي الراهن، تتبع الصين «سياسة الانتقال الهادئ»، بينما يولي بوتين اهتمامه لـ«التوازن الاستراتيجي». وما أعلنه «مدفيديف» نائب الرئيس الروسي في أوائل أغسطس ٢٠٢٥ حول إمكانية استخدام السلاح النووي في ظروف تصاعد الأزمة يتوافق مع المؤشّرات السائدة في السياسة العالمية. أما الدول الأوروبية فتكيف نفسها مع أحلام ترامب التي لا تنتهي. ويعكس اجتماع واشنطن في ١٨ أغسطس ٢٠٢٥ حقائق النظام العالمي الجديد. وفي الظروف الراهنة، فإنّ إيران وروسيا فقط هما اللتان تضعان «سياسة المقاومة» ضد الهيمنة العالمية في صلب استراتيجيتهما.

إنّ اعتماد سياسة المقاومة يُعَدّ أحد مؤشّرات «استراتيجية البقاء» في نموذج الفعل السياسي والأمني للجمهورية الإسلامية. وكغيرها من الدول الإقليمية والقوى الكبرى، تحتاج إيران إلى «انتقال سلمي» من الفضاء الاستراتيجي القائم على «انعدام اليقين» و«الأزمات المتصاعدة». وفي مثل هذه الظروف، يتعيّن على إيران استخدام آليات «الدبلوماسية الأمنية». والميزة الأساسية للدبلوماسية الأمنية هي أنّ تأثير أيّ فعل دبلوماسي يُدرس من حيث انعكاسه على المؤشّرات الاستراتيجية لإيران.

وبما أنّ الولايات المتحدة وإسرائيل قد اعتمدتا سياسة الفعل العدائي ضد إيران، فمن الطبيعي أن تواصلا مثل هذا النهج في المستقبل أو أن تستخدمانه كعامل مساعد لـ«دبلوماسية الإكراه». إنّ السياسة الأمنية لإيران تقوم على مؤشّرات التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف في البيئة الإقليمية. ولتجاوز الأزمة، يجب على إيران أن تعتبر سياسة القوة بمثابة السند لفعلها الدبلوماسي. ويمكن ملاحظة سياسة القوة هذه في المناورة العسكرية التي أجرتها إيران في ٢١ أغسطس ٢٠٢٥.

إنّ أي سياسة قوة يمكن أن تهيّئ الأرضية اللازمة لـ«الحراك الدبلوماسي» و«الفعالية السياسية في المعادلات الجيوسياسية». وتُجسّد المناورة الصاروخية الإيرانية مؤشّرات «قوة المقاومة في مواجهة التهديدات المتزايدة». وتشكل المناورة الصاروخية محاولة للدبلوماسية البنّاءة في فضاء التهديدات المتصاعدة. إنّ اعتماد «سياسة إظهار القوة» في عصر التهديدات المتزايدة ضد إيران لا يحمل طابعًا هجوميًا، بل يعكس حقائق جديدة في الفعل المتبادل الإيراني. وقد أُجريت المناورة الصاروخية في ظروف لم تشعر فيها الولايات المتحدة وإسرائيل بأنهما في موقع التفوق المطلق. وتدرك إيران أنّ أيّ توازن سيؤدي إلى استمرار عملية صنع السلام. ومن ثمّ، فإنّ ضرورات استراتيجية البقاء تقتضي أن توظف إيران سياسة المقاومة، والمناورة التكتيكية، وتحسين قدراتها المجتمعية في فضاء يقوم على «الدبلوماسية البنّاءة».

النتيجة

إنّ السياسة العالمية مرتبطة بمؤشّرات الأزمة، والغموض الأمني، والتحديات الشاملة في مرحلة انتقالية. ويسعى دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، إلى استخدام سياسة القوة كأداة للهيمنة بل وحتى لـ«السيطرة العالمية». إنّ استخدام سياسة القوة يكون مجديًا عندما يكون هدف الفاعلين والوسطاء قائمًا على مؤشّرات «الموازنة» و«التعاون متعدد الأطراف». ويمكن اعتبار الموازنة جزءًا من «دبلوماسية السلام في ظل الأزمات الإقليمية والعالمية المتصاعدة».

وفي فضاء عالم مضطرب، فإنّ أيّ هدنة وحتى سياسة وقف النزاع ستكون ذات طبيعة هشّة وقابلة للتغيّر. وعلى الرغم من أنّ الليبراليين في العلاقات الدولية يركّزون على أنّ السردية هي محور سياسة القوة أو دبلوماسية السلام، إلّا أنّ إنتاج أيّ سردية يحتاج إلى قاعدة مادية للقوة باعتبارها أداة ردع في مواجهة التهديدات. ويمكن لسياسة القوة أن توفّر أرضية التعاون المتبادل بين الفاعلين الذين يمكنهم التواصل مع بعضهم البعض، ويُستخدم ذلك لمواجهة التهديدات الشاملة من الفاعلين الساعين إلى تغيير النظام العالمي والإقليمي.

لینک کوتاه خبر:

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *