كارلوس باز، الباحث والكاتب الإسباني في مجال العلاقات الدولية، اعتبر في حديثه مع “إيران فيو 24” أنّ التوترات بين إيران وإسرائيل تتجاوز مجرد نزاع إقليمي، واصفًا إياها بأنّها جزء من منافسة جيوسياسية بين “النظام العالمي المتمحور حول الولايات المتحدة” والقوى المناهضة له. وانتقد في الوقت ذاته الروايات الإعلامية الغربية ودور الولايات المتحدة، مؤكّدًا على حق إيران في الدفاع المشروع وضرورة تبنّي رؤية أكثر توازنًا لدور طهران في الشرق الأوسط.
إلهه طهماسي – إيران فيو 24
«إيران ليست الخطر الحقيقي، والمزعزع الأكبر للاستقرار في المنطقة هو إسرائيل وحليفتها غير المشروطة، الولايات المتحدة» — هكذا يقول كارلوس باز، الباحث الإسباني، في حواره الصريح مع “إيران فيو 24″؛ وهو حوار يمتد من نقد الروايات الإعلامية الغربية إلى إعادة تعريف حق الدفاع المشروع لإيران، ويكشف خلفيات التوترات المتكررة بين طهران وتل أبيب. فيما يلي نص الحوار بين “إيران فيو 24” وهذا الباحث الإسباني:
إلى أي مدى يمكن تقييم التوترات الجارية بين إيران وإسرائيل، ليس كصراع إقليمي فحسب، بل كجزء من منافسة جيوسياسية أكبر بين “النظام العالمي المتمحور حول الولايات المتحدة” والقوى المناهضة له؟
يشرفني أن أقدّم هذه المقابلة وهذا الاستبيان لوكالة “إيران فيو 24”. سأجيب عن أسئلتكم واحدًا تلو الآخر. السؤال الأول يتناول التوترات بين إيران وإسرائيل. بالنسبة لإسرائيل، تُعتبر إيران قطعة رئيسية يجب كسرها ضمن خطة أوسع لإعادة تشكيل كامل الشرق الأوسط. لقد انشغلت إسرائيل لعقود بإيران، متحدثة عن البرنامج النووي الإيراني باعتباره تهديدًا، ومستغلّة ذلك كذريعة لتدمير إيران، التي تراها أكبر أعدائها في المنطقة. إيران دولة لا تعترف بإسرائيل، وتعتبرها كيانًا غير شرعي ومروجًا رئيسيًا للإرهاب، تقوم حاليًا بعمليات تطهير عرقي ضد الفلسطينيين. كل هذا، في نظر إسرائيل والولايات المتحدة والغرب، أمر غير مقبول تمامًا.
التوترات بين إسرائيل وإيران حرّكتها إسرائيل عبر الولايات المتحدة من خلال العقوبات الاقتصادية التي تعود لزمن بعيد، بل وحتى بإشعال حروب ضد إيران، مثل الحرب الدفاعية المقدسة بين 1980 و1988، والمعروفة في الغرب بالحرب الإيرانية العراقية. وببساطة، كل ما شهدناه من أحداث، بما في ذلك الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا، وما سنشهده لاحقًا، يندرج في إطار سعي إسرائيل لزعزعة استقرار إيران ثم تدمير كيانها.
هل الروايات الإعلامية الغربية عن إيران والصراعات الأخيرة مع إسرائيل واقعية ومحايدة؟ وما الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام الدولية في إعادة إنتاج صورة معينة عن إيران؟
فيما يخص الروايات السائدة، فإن الإعلام في الغرب يتعامل مع إيران بطريقة منحازة ومتحيزة بالكامل، وهو طرف مستفيد وفي كثير من الأحيان يتصرف بخيال مبالغ فيه. كل الأخبار التي تُنشر في الغرب عن إيران سلبية. لن نجد أبداً خبراً إيجابياً عن إيران. بل على العكس، نواجه باستمرار أخباراً تتحدث عن الهجوم على الأقليات، قمع النساء، التهديد النووي، وأحياناً مزاعم وهمية تماماً مثل اضطهاد المسيحيين، وهو أمر واضح أنه غير موجود. لكن الأمر لا يهم بالنسبة لهم، لأن كل هذه الروايات المعادية لإيران تخدم هدفين:
أولاً، محاولة زعزعة الاستقرار وتعميق الانقسامات الداخلية في إيران أو تعطيل أي تعاون محتمل مع دول أخرى.
ثانياً، والأهم من ذلك في رأيي، هو أن هذه الوسائل الإعلامية تحاول خلق صورة خاصة جداً عن إيران، صورة غير حقيقية ولا وجود لها، هدفها إعداد أذهان المواطنين الغربيين لاحتمال نشوب حرب مع إيران، وتقديمها كخطر ليس إقليمياً فحسب، بل حتى عالمياً.
كيف يجب تحليل دور الولايات المتحدة في التوترات المتكررة بين إيران وإسرائيل؟ وهل يمكن اعتبار هذا الصراع انعكاساً لسياسات التدخل والنظام الأمني الذي تدعمه واشنطن؟
الولايات المتحدة، عبر التاريخ المعاصر وفي إطار العلاقات داخل الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بإسرائيل ومحاولاتها زعزعة استقرار إيران، لعبت دوراً أساسياً وجوهرياً. يمكن القول إن كل مصالح الولايات المتحدة في المنطقة تتركز في الدفاع عن مصالح الكيان الصهيوني. إسرائيل لم تكن لتستطيع القيام بأي مما تفعله لولا الدعم الأمريكي، لكن مشكلتها ليست مع إيران وحدها، فهي كانت على خلاف مع معظم جيرانها: مع مصر، ومع الأردن، ومع لبنان وسوريا على وجه الخصوص. وبعد أن تسببت في زعزعة استقرار جزء كبير من الشرق الأوسط، أصبح هاجسها، كما قلت، هو زعزعة استقرار إيران ومحاولة تدمير هياكل دولتها. وفي هذا السياق، من المستحيل تجاهل الدور الأمريكي؛ فإسرائيل، في كل ما تقوم به، تعتمد بشكل منهجي على دعم الولايات المتحدة في تبرير ما تسميه “الدفاع عن النفس”. ويجب القول إن كل ما تدعيه الولايات المتحدة والغرب عن القانون الدولي، والعلاقات الدولية، والديمقراطية، وحق الدفاع المشروع… لا يؤمنون به فعلياً.
في ظل استخدام الولايات المتحدة وحلفائها لمفهوم “الدفاع المشروع” لتبرير الهجمات الاستباقية، كيف يمكن إعادة تعريف شرعية الإجراءات الدفاعية للدول غير الغربية مثل إيران؟
كل هذه المفاهيم تُستخدم وفقاً لهوية الطرف الفاعل. فإذا هاجمت دولة حليفة للغرب دولة أخرى، فلن نسمع حينها عن “حق الدفاع المشروع” أو أي مسألة مشابهة. وإذا أقام الغرب علاقات مع دول لا يوجد فيها أي أثر للديمقراطية، فلا مشكلة، لأنها حليفة للغرب، مثل السعودية أو كثير غيرها في المنطقة. أما إذا استخدمت دول يستهدفها الغرب، ويضعها ضمن “محور الشر” المتخيّل، حق الدفاع المشروع، فلن يتم الاعتراف لها بهذا الحق.
رأينا هذا في الحرب التي استمرت 12 يوماً، حين هاجمت إسرائيل إيران. بعد سلسلة طويلة من الاستفزازات، بما فيها الاغتيالات الموجّهة وقصف المنشآت الدبلوماسية، لم ترد إيران، لكن الأوضاع وصلت إلى حد لم يعد يُحتمل، فاضطرت للرد. عندها، جرى نزع حق الدفاع المشروع عنها، سواء عبر الإعلام أو من خلال جزء كبير مما يسمى “المجتمع الدولي” الذي تدهورت علاقاته الدولية إلى حد بعيد.
وبالطبع، الطرف الذي يمتلك حق الدفاع المشروع هو فلسطين، لأن أرضه سُرقت وهو يتعرض للعدوان منذ عام 1948. ومع ذلك، يُسلب هذا الحق باستمرار من الشعب الفلسطيني. وهذا يوضح لنا أن مسألة “حق الدفاع المشروع”، مثل مسألة الديمقراطية وكثير من القضايا الأخرى، تُمنح أو تُسلب وفقاً للمصالح التي تربط الغرب بدولة معينة.
في حال وقوع حرب أوسع بين إيران وإسرائيل، برأيكم من هم اللاعبون المسؤولون الرئيسيون عن إشعال هذا الصراع؟ الإعلام الغربي غالباً ما يصوّر إيران على أنها البادئة، فهل هذه الصورة واقعية؟
تسألونني عن احتمال اندلاع حرب بين إيران وإسرائيل أو تصعيدها، وأعتقد في البداية أننا نعيش بالفعل حرباً بين إسرائيل وإيران. نحن الآن نمر بأسابيع من جمود، استراحة أو توقف مؤقت، لكن بلا شك، في خريف هذا العام، ستسعى إسرائيل مجدداً إلى زعزعة استقرار إيران ومهاجمتها. سنرى كيف ستفعل ذلك، وبالتأكيد عبر إثارة الخلافات والانقسامات الداخلية. وهنا علينا مرة أخرى أن نتحدث عن دور الولايات المتحدة، إذ بدون دعمها لا تستطيع إسرائيل مهاجمة إيران. في هذه الحرب التي استمرت 12 يوماً، رأينا خطأً استراتيجياً فادحاً في حسابات إسرائيل تجاه إيران.
لقد اعتقدوا بطريقة ما أن إيران تملك القوة والقدرات نفسها التي كانت لدى دول أخرى انهارت على رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط، لكنهم واجهوا واقعاً مختلفاً تماماً، وهو أن إيران أمر آخر. وبالطبع، سيقال لنا مجدداً إن إيران، من خلال تطوير برنامجها النووي، تشكل خطراً على المنطقة بل وعلى المستوى العالمي. ومن البديهي أن إيران، كأي دولة أخرى في العالم، لها الحق في تطوير برنامج نووي واستخدامه لأغراض مدنية، ولكن هذا الحق قد سُلب منها. سنشهد حملة إعلامية شرسة معادية لإيران مدعومة ومنطلقة من إسرائيل والولايات المتحدة. ولكن في الواقع، إيران ليست خطراً، لا على المستوى العالمي ولا حتى الإقليمي. إيران لم تهاجم أحداً منذ أكثر من 200 عام، ولا يمكن القول إنها دولة عدوانية أو تشكل تهديداً لأحد. غير أن الإصرار على إقناعنا بأن إيران خطر إقليمي أو عالمي أمر أساسي بالنسبة للروايات السائدة التي تهيمن على الإعلام الغربي.
كيف يمكن، في أدبيات العلاقات الدولية، صياغة رؤية أكثر توازناً لدور إيران في منطقة الشرق الأوسط، دون الوقوع في فخ الروايات السائدة للإعلام الغربي؟
في هذا السؤال السادس، تسألونني عن نوع من مستقبل العلاقات الدولية، وعن كيفية الانفصال عن هذه الروايات السائدة التي تحدثنا عنها. في الأساس، يجب على أوروبا، وإسبانيا التي هي جزء من هذا المعسكر الغربي، أن تمتلك السيادة وأن تعرف كيف تقرر، وأن ترغب في اتخاذ قرارات مختلفة بشأن مستقبلها وواقعها الدولي. لأن ما تفعله أوروبا وإسبانيا حالياً يقتصر على اتباع منهجي للقرارات والتحليلات الغربية، وخاصة الأمريكية. وبالتالي نحن نحصر أنفسنا في دعم كل ما تراه الولايات المتحدة، وفي المنطقة إسرائيل، مناسباً. علينا أن نتوقف عن هذا الاتباع الأعمى لهذه القوى الغربية القوية وأن نحلل الواقع كما هو. حينها سندرك أن إيران قوة إقليمية، وأن إقامة علاقات طبيعية تماماً معها سيكون ذا فائدة كبيرة للعديد من الدول الأوروبية، بل لجميعها.
من منظور آخر، سيكون الأمر مثيراً للاهتمام بمجرد معرفة أن إيران دولة محورية في مكافحة الإرهاب، ومكافحة تهريب المخدرات، والعديد من القضايا الأخرى التي تضر بالغرب. لذا، علينا تطبيع هذه العلاقات وتعزيزها. أما ما نقوم به في الغرب حالياً، من خلال ترك أنفسنا في ذيل السياسة الأمريكية، فهو إقامة علاقات مع دول تروج بالضبط لتهريب المخدرات أو ترعى الإرهاب. إن سياسات الغرب وأوروبا وإسبانيا هي انتحار، لأننا ندعم دولاً تضر بنا بشكل مباشر، وأحياناً بضرر لا يمكن إصلاحه.
هل تعتقدون أن السياسات العدوانية لإسرائيل في المنطقة والدعم الأمريكي غير المشروط لها، من الأسباب الرئيسة لاستمرار عدم الاستقرار وتوسع الصراعات في الشرق الأوسط؟
وبالنسبة للسؤال السابع، الأخير، تجاوزت قليلاً الإطار الزمني. الولايات المتحدة وإسرائيل هما العاملان الرئيسيان لعدم الاستقرار في المنطقة. بدون وجود إسرائيل، وبدون الدعم الأمريكي للنظام الصهيوني، لما كانت هناك كثير من المشاكل القائمة اليوم في المنطقة. في تلك الحالة، لما وجدت كل الحروب التي رأيناها وعشناها في الوقت نفسه. كانت هذه المنطقة ستكون مستقرة تماماً أو على الأقل أكثر استقراراً بكثير مما هي عليه الآن.
لكن هذه المنطقة من العالم تم تصميمها والتخطيط لها لتعيش في حالة عدم استقرار دائم، والإعلام يصورها على أنها غير مستقرة بسبب شعوبها، وعاداتها، وحتى دين أغلبيتها. هذه رؤية وهمية تماماً، لكنها رؤية فعالة. من خلال التبسيط، ومن خلال الأكاذيب، ومن خلال التحريف الإعلامي، نجحوا إلى حد بعيد في ترسيخ تلك الصورة في أذهان الغربيين. هذه المنطقة صُممت واتُّخذ قرار بأن تكون غير مستقرة، مع السعي لتدمير الدول التي كانت قادرة على التحكم في مصيرها. أفكر هنا في سوريا بقيادة بشار الأسد وليبيا في عهد القذافي، فقد تم تدميرهما بشكل منهجي لأنهما كانتا تتمتعان بالسيادة، وتستطيعان تحديد مستقبلهما والسيطرة على وسائل الإنتاج ومواردهما.
من وجهة نظر الغرب، هذا أمر غير مقبول، ولذلك اتُّخذت قرارات بتدمير كل الدول التي تمسك بزمام مستقبلها وتتخذ قراراتها بشكل مستقل. حالة إيران ليست استثناءً، فهي دولة مستقلة تحدد مستقبلها، ولديها موارد تمنع الغرب من نهبها واستغلالها لصالح الشركات متعددة الجنسيات. وهذا بالنسبة للغرب أمر غير مقبول. هذا، مع النظرة الغربية تجاه إسرائيل، أدى إلى ترسيخ فكرة أن إيران هي الخطر الأكبر في المنطقة. لكن الخطر الأكبر على استقرار المنطقة هو إسرائيل، وكل من يقع تحت تأثير سياساتها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة. آمل أن تكون إجاباتي على أسئلتكم قد نالت رضاكم. ومن هنا أبعث إليكم أحر تحياتي. شكراً جزيلاً.