الولايات المتحدة وحلفاؤها يطلقون مشروعاً خطيراً ضد لبنان تحت ذريعة نزع سلاح حزب الله؛ مشروع لا يستهدف الردع الوطني فحسب، بل يزرع بذور الحرب الأهلية ويعيد فتح أبواب لبنان أمام النفوذ الإسرائيلي. هذا المقال يكشف الأبعاد الخفية لهذا السيناريو التهديدي.
طهران – إيران فيو 24
أحد التحريفات الاستراتيجية والممنهجة في السرديات المعاصرة حول دور فصائل المقاومة يتمثل في تقديم هذه الجماعات – وخاصة حزب الله اللبناني – كقوى وكيلة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة. هذه السردية، التي يجري تعزيزها في وسائل الإعلام والمحافل السياسية الغربية والصهيونية، تهدف إلى تقويض شرعية المقاومة ووظيفتها الوطنية والمحلية في بلدانها.
إن التحليل العميق لهذا الإطار المفاهيمي يكشف بوضوح أن الهدف الأساسي منه هو عسكرة الأجواء في غرب آسيا، وتشويه الهوية الوطنية لقوى المقاومة، ونزع الشرعية عن دورها الدفاعي في مواجهة التهديدات الخارجية.
في الواقع، فإن فصائل المقاومة في المنطقة ليست قوى دخيلة أو تابعة بالكامل لدولة خارجية، بل هي نتاج حاجات أمنية واقعية داخل البلدان التي نشأت فيها. والحشد الشعبي وحزب الله العراقي وحزب الله اللبناني نماذج بارزة لهذه الحقيقة.
لقد نشأ حزب الله اللبناني من رحم التحولات الداخلية في لبنان، كردّ فعل على الاعتداءات المتواصلة من قبل الكيان الصهيوني، وتطوّر ليؤدي، في محطات مفصلية، دوراً يتجاوز حتى الجيش الرسمي اللبناني في الحفاظ على الأمن القومي ووحدة الأراضي اللبنانية.
رغم هذا السجل، عمدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون في السنوات الأخيرة إلى ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية وأمنية مباشرة على الحكومة والجيش اللبنانيين، بهدف فرض مشروع نزع سلاح حزب الله تحت ذريعة “الإصلاحات الهيكلية”. وهذه الإجراءات لا تستهدف فقط تقليص القدرات الدفاعية لحزب الله، بل تسعى إلى هندسة سيناريوهات قد تعرض الأمن القومي اللبناني لتهديدات متعددة الأوجه.
في هذا السياق، يواجه لبنان مسارين خطيرين: الأول، أن يؤدي نزع سلاح المقاومة تحت الضغط الخارجي إلى تفجير الانقسامات الطائفية، والاستقطاب السياسي، وبالتالي تمهيد الطريق نحو صراع داخلي؛ والثاني، أن يقبل حزب الله بهذا المطلب، وهو ما يؤدي، في كلتا الحالتين، إلى إضعاف المقاومة استراتيجياً وفتح المجال أمام الكيان الصهيوني لاستئناف اعتداءاته. هذه السيناريوهات تتماشى مع الاستراتيجية العامة لكل من تل أبيب وواشنطن في إطار احتواء محور المقاومة وإعادة تشكيل النظام الأمني الإقليمي بما يخدم المصالح الغربية.
إن التاريخ الطويل لتهديدات الكيان الصهيوني للبنان يُظهر بوضوح أن لبنان كان عرضة للاعتداء حتى في غياب حزب الله. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، انتهك هذا الكيان مراراً سيادة لبنان وسعى إلى احتلال أراضٍ لبنانية، وأبرز مثال على ذلك احتلال الجنوب اللبناني عام 1982 واستمراره حتى عام 2000. كما أن حرب تموز 2006، التي شهدت هجمات شرسة على البنى التحتية والمناطق المدنية، جاءت لتحقيق الأهداف ذاتها، وأدت إلى كارثة إنسانية كبرى. هذه الوقائع تثبت أن التهديد الإسرائيلي للبنان ليس افتراضياً أو مشروطاً، بل هو تهديد عميق الجذور، هيكلي ودائم.
في مواجهة هذا التهديد، لعب حزب الله، منذ الثمانينيات وحتى اليوم، دوراً محورياً كقوة مقاومة وطنية في صد الاحتلال ومنع تكرار العدوان الإسرائيلي. وقد كان لهذا الحزب دور حاسم في طرد الاحتلال من الجنوب عام 2000، وفي التصدي للعدوان الواسع في حرب 2006، حيث رسّخ قدرة ردعية حالت دون تقدم إسرائيل داخل الأراضي اللبنانية.
والأهم من ذلك، أن السياسات العدوانية الإسرائيلية لها سوابق وهي لا تعتمد على وجود المقاومة، بل تتخطاها. بعبارة أخرى، إن وجود حزب الله هو ردّ على تهديد دائم قائم، وليس منشأ لهذا التهديد. وبالتالي، فإن إضعاف هذه القوة الرادعة أو إزالتها لن يؤدي إلى تقليص التهديد، بل سيزيد من هشاشة الأمن القومي اللبناني.
إن ميزان القوى بين لبنان وإسرائيل يميل هيكلياً لصالح الكيان الصهيوني، إلا أن وجود حزب الله كقوة تمتلك قدرات عسكرية غير تقليدية أوجد توازناً ردعياً. هذا التوازن، لا سيما بعد حرب 2006، منع إسرائيل عملياً من شن عدوان واسع ومباشر ضد لبنان، لأن أي هجوم جديد سيكلّف تل أبيب ثمناً باهظاً.
في هذا الإطار، فإن الضغط الأمريكي على الحكومة والجيش اللبنانيين لنزع سلاح حزب الله يعكس من جهة مسعىً لإسقاط معادلة الردع القائمة، ومن جهة أخرى يعبر عن استراتيجية أكثر تعقيداً تهدف إلى ضرب الوحدة الوطنية من الداخل، مما يزيد من خطر زعزعة الاستقرار الإقليمي.
من خلال تحويل قضية المقاومة إلى مسألة داخلية، تسعى الولايات المتحدة إلى وضع الجيش اللبناني في مواجهة حزب الله، مما يفتح المجال أمام تصعيد التوترات الطائفية والمذهبية، وخلق فتنة قد تعيد إنتاج الحرب الأهلية.
وعلى المستوى الإقليمي، فإن تدخل حزب الله في الأزمة السورية يمثل دليلاً إضافياً على دوره في صد الاعتداءات الإسرائيلية والتكفيرية. ولكن تراجع قوة هذا المحور المقاوم تزامن بشكل واضح مع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، وتحول الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من الأراضي السورية إلى واقع ملموس. إن المشهد السوري اليوم يعكس إلى حد بعيد ما قد يحدث للبنان في اليوم التالي لنزع سلاح حزب الله.
في الختام، لا بد من التأكيد على أن التهديد الإسرائيلي للبنان هو تهديد هيكلي يتجاوز المتغيرات الداخلية. لكن وجود المقاومة، وخصوصاً حزب الله، ليس فقط استجابة دفاعية لهذا التهديد، بل هو ضمانة حيوية لحماية الأمن القومي اللبناني ووحدته الداخلية. إن إضعاف أو إلغاء هذا المكوّن الاستراتيجي لا يخدم سوى مشاريع إسرائيل والسياسات الأمريكية لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وليس مصالح الشعب اللبناني.