مع إغلاق الموانئ الحيوية في البحر الأحمر واضطراب خطوط الإمداد التقليدية، اضطُر الكيان الصهيوني إلى الاعتماد على ممر بري جديد يمتد من جبل علي إلى عسقلان. وعلى الرغم من أن هذا الطريق يُعدّ ظاهريًا شريان نجاة لوجستي، إلا أنه في الواقع تحول إلى نقطة ضعف استراتيجية، جعلت إسرائيل رهينةً للجغرافيا العربية الإقليمية وسلسلة إمدادها عرضة للتخريب والاستهداف.
يوسف دميرهان، تحليل في الاقتصاد السياسي
مع تصاعد الأزمة في البحر الأحمر وإغلاق المسارات التقليدية لنقل البضائع إلى الأراضي المحتلة، لا سيما بعد العمليات التي نفذتها القوات اليمنية لتعطيل الموانئ الحيوية مثل إيلات، واجه الكيان الصهيوني تحديًا كبيرًا في سلاسل التوريد.
وردًا على ذلك، قامت بعض الدول العربية في الخليج مثل الإمارات والسعودية، إلى جانب الأردن، بإنشاء ممر ترانزيت بديل يبدأ من منطقة جبل علي، ويعبر الأراضي السعودية والأردنية، ليصل في النهاية إلى ميناء عسقلان داخل إسرائيل.
هذا المسار، الذي يجمع بين النقل البري والسكك الحديدية، لا يشمل فقط البضائع العامة، بل يشكل مصدرًا رئيسيًا لإمداد الجيش الإسرائيلي بالوقود، وخاصة سلاح الجو. وبعبارة أخرى، ومع توقف أو تهديد خط أنابيب عسقلان ـ إيلات والموانئ في البحر الأحمر، أصبح اعتماد إسرائيل على هذا الطريق البري أكثر وضوحًا.
غير أن هذا الطريق الجديد، رغم مظهره كحل مؤقت وطارئ، يُعد في الحقيقة نقطة ضعف استراتيجية جديدة في هيكل الأمن الإسرائيلي. فهو يمر عبر مناطق صحراوية في السعودية والأردن، وهي مناطق يصعب مراقبتها أو تأمينها بشكل دائم من الناحية الأمنية.
من منظور الاقتصاد السياسي للحرب، فإن ما تعتبره إسرائيل “طوق نجاة” بات يمثل “شريانًا حيويًا هشًا”، معرضًا للعمليات التخريبية والهجمات من قبل الفصائل الحليفة لإيران أو قوى المقاومة. فاستهداف البنية التحتية لهذا الطريق يمكن أن يُحدث تأثيرات فورية ومركبة على الاستقرار الاقتصادي واللوجستي لإسرائيل، خصوصًا في وقت تواجه فيه قواتها البحرية تحديات غير مسبوقة.
في هذا السياق، يصبح الكيان الإسرائيلي “رهينة الجغرافيا”، إذ يعتمد على حسن نية شركائه العرب لضمان استمرار هذا الطريق. وأي تغير في التوازن السياسي أو الأمني في الأردن أو السعودية أو حتى الإمارات، قد يؤدي إلى تعطيل هذا المسار وعرقلة قدرة إسرائيل على المناورة في الحروب المركبة المقبلة.وفي الختام، فإن الطريق من جبل علي إلى عسقلان، رغم أنه وفر لإسرائيل متنفسًا مؤقتًا، إلا أنه في المدى المتوسط والبعيد زاد من هشاشتها وكشف خروجها من مرحلة المبادرة الاستراتيجية ودخولها في حالة من الجمود اللوجستي.