FA | EN
2025-08-14 05:20
FA| EN
2025-08-14 05:20

اشتراک گذاری مطلب

آلية الزناد ونهاية الثقة: مفترق طرق تاريخي في دبلوماسية إيران وأوروبا

إن تهديد أوروبا بتفعيل آلية “العودة التلقائية” (Snapback) ليس محاولة لحل الخلافات النووية، بل مؤشر على مقامرة خاسرة بدأها الأوروبيون بتحويل إيران إلى ورقة تفاوض مع الولايات المتحدة؛ مقامرة تجري في ظل ملف نووي مشبع بأجواء الحرب، في وقت تحولت فيه حرب أوكرانيا إلى مستنقع للغرب، والعالم يتجه نحو التعددية القطبية وإعادة تعريف علاقات القوة. أوروبا في هذه المعادلة ليست شريكًا فاعلًا لأمريكا، بل مجرد “عبء زائد” على واشنطن، وهذه هي الحقيقة التي ستدفع بروكسل ثمنها عاجلاً أم آجلاً من خلال الرهان على إيران.

عفيفة عابدي – إيران فيو 24

على أعتاب أزمة ثقة غير مسبوقة بين إيران والدول الأوروبية الثلاث الأعضاء في الاتفاق النووي السابق (لندن، باريس، برلين)، لا يقتصر تهديد تفعيل آلية العودة التلقائية من قبل هذه العواصم على تعقيد مستقبل أي تفاوض أو اتفاق نووي محتمل، بل يضرب في العمق الأسس المفهومية لاستراتيجية “تفكيك أوروبا عن أمريكا” في الدبلوماسية الإيرانية.

إن تهديد أوروبا الأخير ـ في وقت سلكت فيه إيران مسارًا واضحًا للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورغم خيانات الأمريكيين والأوروبيين للاتفاق النووي، وتقاعس الوكالة عن حماية المنشآت النووية الإيرانية ـ يحمل رسائل تتجاوز الطابع القانوني أو الرمزي. وتراه طهران عودة إلى سياسة “الضغط الأقصى”، بل وتعتبره نهجًا حربياً صريحاً.

من منظور طهران، فإن التهديد بإعادة فرض العقوبات الدولية وفقًا للقرار 2231 ليس استجابة فنية لتجاوزات مزعومة، بل خطوة سياسية بامتياز، تهدف إلى محاكاة السياسات الأمريكية المتغطرسة وتعزيز موقع بروكسل التفاوضي في القضايا العابرة للأطلسي. والمفارقة أن هذه الدول الثلاث طالما نكثت التزاماتها في إطار آلية حل النزاع وتخلّت عنها، ثم عادت اليوم ـ بعد مرور سنوات وتغير المعادلات ـ لتسعى إلى إحيائها بلا شرعية قانونية، وبمنطق القوة.

وترى طهران أن هذه الخطوة ليست لحل الخلاف، بل وسيلة لمساومة الأوروبيين مع أمريكا من خلال زيادة الضغط على إيران؛ وذلك في وقت تتعرض فيه طهران، رغم تعاونها الطوعي وخضوعها لرقابة الوكالة، لهجمات عسكرية من قبل أمريكا والكيان الصهيوني، ألحقت أضرارًا جسيمة بمنشآتها النووية.

لكن تفعيل آلية العودة التلقائية سيؤدي مجددًا إلى تصعيد في “أمننة” ملف إيران دوليًا؛ وهو مسار، مع تجربة الحرب الأمريكية الإسرائيلية الأخيرة (بدعم أوروبي) واستمرار العقوبات الاقتصادية، يزيد من تكلفة المسار الدبلوماسي ويعزز الحلول الردعية والأمنية. فأوروبا تستخدم لغة التهديد في وقت يهيمن فيه منطق الحرب على القضية النووية، والعالم يتجه نحو تعددية قطبية وإعادة هيكلة لعلاقات القوة.

وترى طهران أن التفعيل المحتمل للآلية يعني العودة إلى ما دون الصفر في الثقة، ومحاولة لتهميش المسارات الدبلوماسية، بما فيها التعاون الطوعي مع الوكالة. وتعتقد الدول الأوروبية أنها بالتهديد يمكنها التأثير على استراتيجية إيران الخارجية، غير مدركة أن هذه الضغوط لن تؤدي إلا إلى تعميق الفجوة الجيوسياسية مع الغرب وتقويض ما تبقى من مصداقية للمؤسسات الدولية.

وفي حال تفعيل الآلية، فإن العقوبات الأممية ـ رغم رمزيتها ـ ستعود، وستصبح المفاوضات المستقبلية أكثر تكلفة وتعقيدًا، ما يفضي إلى إقصاء أوروبا عن لعب أي دور مستقل في الدبلوماسية النووية الإيرانية، ويمنح أمريكا مجددًا اليد العليا. ويبدو أن أوروبا تطرح هذا الخيار على واشنطن، متناسية أن ترامب لم يُعر أي وزن حتى لاتفاقاته معها.

ورغم خيبة تجربة الاتفاق النووي، وخيانات الغرب، وتقصير الوكالة، لا تزال إيران تؤكد أولوية الدبلوماسية، وتبقي الباب مفتوحًا أمام الدور الإيجابي الأوروبي، بشرط توفر الإرادة السياسية في العواصم الأوروبية. وإلا، فلن يكون أمام إيران من خيار سوى إعادة تعريف استراتيجياتها الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية. وعودة العقوبات الأممية لن تشكل ضغطًا فاعلًا، بل فوضى إضافية في الإقليم والنظام العالمي.

مساران أمام أوروبا

تقف أوروبا اليوم أمام مفترق طرق حاسم:

  • المسار الأول هو استمرار سياسة الضغط الفاشلة، وتجاهل الواقع الميداني، والتبعية العمياء لأمريكا، ما لن يحل الملف النووي، بل سيقوّض مكانة أوروبا كممثل مستقل في النظام العالمي المتغيّر.

  • المسار الثاني هو العودة إلى الدبلوماسية المتوازنة، وخفض التوتر الذكي، والاستفادة من الفرص الاقتصادية والأمنية في العلاقة مع إيران. فإذا كانت أوروبا تدّعي الدفاع عن النظام الدولي والمؤسسية، فعليها استبدال “الماشة” بآليات بناء الثقة القائمة على الحوار والاحترام المتبادل.

لقد آن الأوان لأوروبا أن تقرر: هل تريد أن تكون فاعلاً مستقلاً ومسؤولاً في عالم سريع التحول؟ أم أنها ستبقى تابعًا للسياسات الأمريكية، تساهم في تأزيم الأزمات بدل حلها؟

لینک کوتاه خبر:

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *