إن إسقاط النظام السوري في ديسمبر 2024، قبيل تسلّم الإدارة الأمريكية الجديدة لمهامها، لم يُحدث فقط تحوّلاً في المعادلات الأمنية الإقليمية، بل كشف أيضاً عن الانقسامات العميقة داخل التحالفات المتدخلة، وضعف البنية الاستراتيجية للنظام المفروض. في هذا السياق، يقدّم الدكتور حازم أحمد فضالة، الباحث والمحلل العراقي البارز، في مقال خاص لموقع “إيران فيو24″، قراءة استراتيجية شاملة ترتكز على المواقف الإيرانية، متناولاً الأبعاد الجيوسياسية والانعكاسات الإقليمية لهذا الحدث، ومحذّراً من أن استمرار الفوضى لن يُواجَه إلا من خلال المقاومة الشعبية والوحدة الإقليمية، وإلا فإن المنطقة مقبلة على عدم استقرار أوسع وأخطر.
الدکتور حازم أحمد فضالة، محلل وخبیر فی الشوون الاقلیمیه من العراق
أُسقطَ النظام السوري في: 8-كانون الأول-2024، قبل تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب ترمب، وأدار عملية إسقاط النظام: تركيا وقطر وأميركا والكيان الصهيوني، مستعينين بالجماعات المسلحة الإرهابية رافعةً لاجتياح المدن، وكانت الجمهورية الإسلامية قدمت قراءة للوضع السوري بحسب الرصد والتحليل، على وفق الآتي:
القراءة الإستراتيجية
1- قال الإمام القائد علي الخامنئي (دام ظله)، في: 11-كانون الأول-2024، أي: بعد ثلاثة أيام من إسقاط النظام السوري:
«كُلٌّ يجب أن يعلم أنَّ الأمور لن تبقى على هذا النحو: أن تأتي مجموعة إلى دمشق أو أماكن أُخَر، يفرحون، ويرقصون، ويعتدون على بيوت الناس.» (1)
2- صرَّح السيد محمد جواد لاريجاني (المستشار الأعلى للإمام القائد الخامنئي)، يوم السبت، الموافق: 7-كانون الأول-2024 -قبل إسقاط النظام السوري بيوم واحد- تصريحات نوعيَّة مهمة بشأن الدولة السورية، والمعركة القائمة فيها، حيث قال:
«إيران لم تغير سياستها تجاه سورية، يجب أن لا تخدعنا السياسة، هؤلاء ليسوا معارضين، هؤلاء إرهابيون. المعركة ليست مع المعارضة، بل مع الإرهاب (الداعشي)، هم خسروا المعركة في المرة الماضية، واليوم عادوا إلى سورية مجددًا.» (2)
التحليل
1- لم يكن لدى تركيا وقطر الرؤية الإستراتيجية ما بعد إسقاط بشار الأسد، إذ يظهر أنَّ حركتهم كانت انتقامية أكثر مما هي إستراتيجية تدرس كيفية إدارة الدولة ما بعد إسقاط نظامها، فهم أسقطوا بشار الأسد في غفلة من الليل، ونصبوا جزءًا من الجماعات الإرهابية بقيادة أبو محمد الجولاني على رأس القيادة في دمشق العاصمة، إذ توجد عدة فصائل مسلحة تقتتل فيما بينها، وتختلف في المِلَّة والمذهب والعرق والقومية؛ ومن ثَمَّ بالأهداف والمصالح.
2- الخطأ التركي القطري في النظر وتقويم العملية والمرحلة، بدأت ارتداداته على الدولة السورية وشعبها؛ بتمرد الجماعات المسلحة على بعضها، وهجومها على السوريين في منطقة الساحل، والدروز في السويداء، ورسمها خارطة من الدماء والثأر والانتقام التي لن تمحى بحبر على ورق ولا بوعود الاستثمار والإعمار.
3- لقد وقعت تركيا بالفخ كما قال السيد جواد لاريجاني، فهذا الكيان الصهيوني يحتل السويداء ودرعا والقنيطرة، ويمنع الجولاني أن تطأ أقدامه ريف دمشق. والكيان الصهيوني يقصف القواعد العسكرية التي حاول الرئيس التركي أردوغان تشييدها في سورية (T-4)، ولم تعد ثمة قيمة لوعود ترمب التي أطلقها بزيارته في: 13-أيار-2025 لبلاد الحرمين برفع الحصار عن سورية؛ فهذا (مشروع قانون رقم 4427 سنة 2025 – قانون محاسبة سورية بالعقوبات) الذي رفعه (الكونغرس الأميركي – CONGRESS. GOV) في: 15-تموز-2025، أجَّلَ رفع العقوبات عن سورية حتى: 31-كانون الأول-2029. (3)
4- تركيا وقطر الآن عالقتان في مأزق إستراتيجي في سورية، إذ إنَّ القاعدة الاقتصادية تقول: (رأس المال جبان)، وبذلك لم تستطع الشركات التركية أو أنابيب الغاز القطرية؛ أن تُبعَث في سورية ميلادًا جديدًا من الإعمار والاستثمار، لأنَّ الكيان الصهيوني غير مهتم بأحلام تركيا وقطر بجني مليارات الدولارات من الأرباح على شواطئ المتوسط وموانئه، بل الواقع أنَّ نتنياهو تنتظره محاكمة يحتاج بقوة إلى التهرب منها بافتعال المعارك في المنطقة، وكذلك يبحث عن مخرج من مأزق غزة المعقد.
الانهيار بين التمدد والاحتواء
حتى الكيان الصهيوني عندما يتمدد في سورية فهو لا يتمدد أو يتوسع من موقع قوة، بل من موقع ليس له خيار آخر، لأنه خسر قدرته على بناء منظومة الردع والحفاظ عليها، وصارت ما تسمى وزارة الدفاع الإسرائيلي تُقصَف وتُهدَم، وكذلك وزارة الدفاع ومراكز الموساد ووحدة (8200) وأهم مراكز الأبحاث في العالم مثل وايزمان، وقواعد خزن الرؤوس النووية… فهذا الكيان بتمدده (يترهل) وليس من مصلحته الاقتراب من جغرافيا بأس محور المقاومة.
على هذا الأساس، وفي العلم العسكري لا يمكن تصنيف حدود أي دولة ملاصقة لسورية بالآمنة، مثل لبنان والعراق والأردن… فالخطر قريب وحقيقي، لكن هذه الجماعات الإرهابية في سورية غير قادرة على تغيير الإستراتيجيا التي يثبتها محور المقاومة، خصوصًا بعمليات الوعد الصادق: (1، 2، 3)، لكن نرصد رغبة لدى الكيان الصهيوني بتخريب الأمن والأنظمة في مصر والأردن والعراق، وتركيا ليست بمأمن، وهذا يتطلب تحالفًا صلبًا بين لبنان والعراق والجمهورية الإسلامية واليمن، يتضمن عملًا على مستوى التعبئة الشعبية، والاستخبارات.
الموقف الأوروبي
لا تبدو الحكومات الأوروبية مستقلة في قرارها في السياسة الخارجية عن أميركا، علمًا أنها أعلنت سترفع العقوبات من جانبها عن سورية، لكن هذه الخطوة لا تساوي شيئًا، بسبب أنَّ العملة العالمية هي (الدولار الأميركي) الذي تربو نسبة تداوله في التجارة العالمية على (60%)، وكذلك النظام المصرفي (سويفت)، لذلك تظل العقوبات الأميركية على سورية هي الأساس، ولم تتحرك الدول الأوروبية حركات حقيقية في المستوى السياسي والدبلوماسي لمساعدة الشعب السوري، ومحاسبة القتلة؛ بقرارات من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ولم تحاسب الكيان الصهيوني على قصفه للدولة السورية ليلًا ونهارًا، بل نجد اليوم موقف شعوب الغرب هو الموقف القوي، الذي يرفض سياسة حكومات الغرب التي تجامل الصهاينة.
الختام
صدقت قراءة الإمام القائد الخامنئي، والمستشار جواد لاريجاني، بشأن الوضع السوري، وأنه لا يمكن وقف هذا الانهيار والعدوان الإرهابي والصهيوني؛ إلا بسواعد شُبَّان سورية الذين ينهضون فيقاومون الإرهاب والاحتلال، ويستردون بلدهم الذي سُرِقَ مؤقتًا، فالحكومة التي لم يخترها الشعب ولم تحترمه، وتسكت عن عدوان الصهاينة؛ هي حكومة لا تمثل الشعب السوري، ومآلها الزوال.