في جولة المحادثات الأخيرة بين إيران والترويكا الأوروبية في إسطنبول، عاد التناقض الأوروبي إلى الواجهة: التمسك بالحوار من جهة، والعجز البنيوي عن الوفاء بالتعهدات من جهة أخرى. الموقف الإيراني لا يعكس مراوغة، بل إصرارًا عقلانيًا على تصحيح اختلالات تفاوضية متراكمة.
عابد أكبري، محلّل بارز ومتخصص في القضايا الدولية
في اللقاء الأخير الذي جمع بين إيران والترويكا الأوروبية في إسطنبول، عاد المشهد التفاوضي المألوف إلى الواجهة: يظهر الأوروبيون حرصًا على استمرار الحوار، لكنهم يتأرجحون بين الانخراط التكتيكي والغموض البنيوي. ما تراه بعض الأطراف الأوروبية تأخيرًا إيرانيًا، قد يكون في الحقيقة انعكاسًا لحالة إحباط عميقة لدى طهران من عجز أوروبا المزمن—أو عدم رغبتها—في الالتزام بتعهداتها في الاتفاق النووي بشكل مستقل عن التحولات السياسية الأمريكية.
الافتراض بأن إيران “تُماطل لكسب الوقت” يعكس قراءة أوروبية ضيقة للسلوك التفاوضي، ويتجاهل كلفة البقاء على طاولة الحوار التي تكبّدتها طهران داخليًا، فضلًا عن الضغوط الإقليمية المتزايدة. ما يُوصف بأنه “مماطلة استراتيجية” قد يكون في الواقع “صبرًا استراتيجيًا” قائمًا على حسابات عقلانية بعد سنوات من الوعود غير المنفّذة والتوقعات غير المتكافئة.
الموقف الإيراني لا ينبع من نية لمواجهة المجتمع الدولي، بل من رغبة في تصحيح اختلالات بنيوية في الإطار التفاوضي. بينما فشلت الترويكا مرارًا في حماية الاتفاق النووي من الضغوط الخارجية، خصوصًا بعد انسحاب واشنطن، فإن مطالبة طهران بالامتثال الكامل دون تقديم ضمانات عملية تُعد تفاوضًا بلا توازن، وممارسة للضغط دون شرعية.
مع استئناف الحوار، حريٌّ بالأوروبيين أن يعيدوا تقييم افتراضاتهم. إيران لا تسعى للانهيار، لكنها كذلك لن تقبل التهميش باسم الحوار. فالتقدّم الحقيقي يتطلّب من جميع الأطراف الاعتراف بمسؤولياتهم في المأزق الراهن، والتصرف بناءً على ذلك.