FA | EN
2025-07-28 14:22
FA| EN
2025-07-28 14:22

اشتراک گذاری مطلب

امتداد الأزمة: كيف يمكن لاستراتيجية بروكسل تجاه إيران أن تُضعف أمن أوروبا

إن تحرك أوروبا لتفعيل آلية الزناد قد يؤدي إلى إضعاف النظام الدولي الليبرالي بشكل أكبر. هذا النظام الذي تأسس أساسًا بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا يسعى إلى الحفاظ على النظام والأمن العالميين من خلال العمليات القانونية والالتزام بقانون المعاهدات الدولية.

 

د. رحمان قهرمان‌بور، خبير كبير في الشؤون الدولية

على الرغم من أن تفعيل آلية الزناد أو ما يعرف بـ”السناب باك” يبدو في البداية أنه يضر الجمهورية الإسلامية الإيرانية أكثر، إلا أنه من زاوية أخرى يمكن طرح سؤال: هل ستتكبد أوروبا أيضاً خسائر جراء تفعيل هذه الآلية؟ وهل يمكن لتفعيل آلية الزناد أن يؤثر سلباً على الديناميات الدولية الراهنة؟

سنجيب على هذا السؤال من أربعة جوانب:

أولاً: تفعيل آلية الزناد قد يضعف آلية مراقبة الأسلحة أو ما يُسمى بالنظام النووي الهش القائم. لسنوات، حذر خبراء مراقبة الأسلحة من تراجع النظام النووي العالمي، مؤكدين أن هذا التراجع قد يؤدي إلى انتشار التكنولوجيا النووية وحتى استخدام الأسلحة النووية. يُعد معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT) ركيزة أساسية لهذا النظام، وإذا تضعفت هذه المعاهدة فسيتأثر النظام النووي الدولي بأكمله.

في تسعينيات القرن الماضي، ألحقت الأنشطة النووية في العراق خلال حكم صدام حسين ضرراً بالغاً بمعاهدة عدم الانتشار، ومن بعدها تم اعتماد البروتوكول الإضافي لتعزيز مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. الخطوة التالية كانت أنشطة كوريا الشمالية النووية وانسحابها غير المعتمد من المعاهدة عام 2002، مما أضعف المعاهدة أكثر. ويبدو أن الملف النووي الإيراني يشكل اليوم التحدي الثالث الأكبر لاختبار فعالية وقدرة معاهدة عدم الانتشار في حل الأزمات النووية.

إذا عجزت أوروبا عن حل هذه الأزمة، وفعلت آلية الزناد ممهدة بذلك خروج إيران من معاهدة عدم الانتشار، فسيكون ذلك ضربة أخرى للنظام النووي ونظام مراقبة التسلح العالمي. مع الأخذ بعين الاعتبار الإجراءات القائمة، يمكن القول إن خروج إيران من المعاهدة بموجب المادة 10 ليس تلقائياً، وإنما مرتبط بموافقة مجلس الأمن. لكن بعيداً عن الجانب القانوني، فإن الإعلان الأحادي الجانب عن خروج إيران سيشكل ضربة سياسية كبيرة لمعاهدة عدم الانتشار.

ينتقد المعاهدة بعض المتخصصين بسبب عدم وجود توازن بين ركائزها الثلاث: استخدام الدول غير النووية للطاقة النووية السلمية، عدم انتشار الأسلحة النووية، ونزع السلاح النووي للدول النووية. بمعنى آخر، لم تلتزم الدول النووية الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بتعهداتها وفق المادة السادسة لتعزيز نزع السلاح، بل على العكس، سعت إلى تعزيز ترساناتها النووية. فالصين وروسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تعمل جميعها على تحديث وزيادة ترساناتها، في حين تطالب الدول غير النووية بالالتزام بالتعهدات. وهذا يكشف عن خلل في التوازن بين التزامات الطرفين.

ثانياً: يمكن أن يؤدي تفعيل أوروبا لآلية الزناد إلى مزيد من إضعاف النظام الدولي الليبرالي، الذي تأسس أساساً بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة أمريكا وأوروبا، والذي يسعى إلى حفظ النظام والأمن من خلال القوانين والاتفاقيات الدولية. إذا عجزت أوروبا وأمريكا عن حل الملف النووي الإيراني سلمياً عبر الاتفاقيات مثل الاتفاق النووي والقانون الدولي، فقد يؤدي ذلك إلى تآكل القواعد القانونية على المستوى الدولي. ولهذا يرى البعض أنه إذا كانت أوروبا وأمريكا والديمقراطيات الليبرالية الغنية تريد الحفاظ على هذا النظام الدولي الليبرالي، فيجب عليها أن تلتزم أولاً بمبادئ وقواعد القانون الدولي.

وهذا في ظل أن الولايات المتحدة، وبخلاف القانون الدولي، قامت بقصف موقع فوردو النووي في إيران، رغم عدم وجود أي دليل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية على نشاطات نووية غير سلمية فيه. إذا كانت أمريكا وأوروبا وحلفاؤهم يسعون لإضعاف المؤسسات التي تحاول الصين إنشائها، ويريدون بقاء المؤسسات القائمة ضمن النظام الليبرالي الدولي، مثل الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، قوية، فعليهم بذل كل الجهود لحل الخلافات مع إيران بطريقة سلمية.

ثالثاً: عودة آلية الزناد تعني، من الناحية العملية، تصعيد عسكري في السياسة الدولية، أو ما يعرف بالعسكرة المتزايدة. بعد الحرب العالمية الثانية، كان الأساس هو حل النزاعات سلمياً دون اللجوء إلى القوة العسكرية، وكانت القوى الكبرى، وبخاصة أمريكا، تحاول على الأقل في الظاهر احترام هذا المبدأ وعدم اللجوء إلى القوة إلا مع إجماع دولي. كان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 بدون تفويض من مجلس الأمن بداية مسار يُخشى أن يؤدي إلى تصعيد عسكري في السياسة الدولية.

الآن، يبدو أن تحركات إسرائيل في المنطقة، خاصة بعد 7 أكتوبر، وتأييد أمريكا وأوروبا لها، يمكن أن تشكل خطوة أخرى في اتجاه إضعاف النظام الليبرالي الدولي وتصعيد العسكرة.

رابعاً: يرى الأمريكيون أن التصعيد العسكري قد يدفع الصين إلى تعزيز قدراتها العسكرية وزيادة إنفاقها الدفاعي، مما يضعف اقتصادها. لكن الواقع أن التصعيد العسكري قد يضر بأوروبا أيضاً، كما أثبت الهجوم الروسي على أوكرانيا عام 2022، الذي أطلق مرحلة جديدة في الهيكل الأمني الأوروبي، ودفع الدول الأوروبية لزيادة ميزانياتها العسكرية بشكل غير مسبوق، ما قد يؤثر سلباً على السياسات الاجتماعية ويزيد من الخلافات الداخلية.

كما نشهد اليوم خلافات كبيرة بين الأحزاب اليمينية الأوروبية حول سياسة الهجرة والدعم لأوكرانيا، حتى داخل اليمينيين التقليديين والوسط واليسار. ومن هذا المنظور، يمكن القول إن تفعيل آلية الزناد من قبل أوروبا يعني تصعيداً أكبر للعسكرة في السياسة الدولية.

وأخيراً: يمكن لآلية الزناد أن تزيد من تعقيد الأزمة في الشرق الأوسط. رغم أن الأوروبيين أعربوا مراراً عن قلقهم من تفاقم الأزمات في المنطقة، وأن ذلك قد يؤدي إلى زيادة الهجرة إلى أوروبا وتعزيز الأحزاب اليمينية المتطرفة، إلا أن تحرك أوروبا الراهن تجاه إيران، سواء بمحاولة تفعيل آلية الزناد أو دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، يُعتبر من وجهة نظرنا تصعيداً للأزمة في منطقة حساسة وهشة. وأي نزاع طويل الأمد في الشرق الأوسط سيترك تبعات أمنية طويلة الأمد على أوروبا وسياساتها الداخلية.

من هذه الزاوية، يُعد قرار أوروبا بتفعيل آلية الزناد متعارضاً مع سياسات الاتحاد الأوروبي المعلنة التي تدعو إلى تجنب اللجوء إلى الوسائل العسكرية لحل النزاعات. وبعضهم يرون أن أوروبا بعد بدء حرب أوكرانيا بدأت تبتعد عن القيم الليبرالية التي كانت تدعو إليها في السابق.

بمعنى أن أوروبا، رغم تمسكها بالقيم الليبرالية بعد الحرب العالمية الثانية، باتت الآن تدرك أنه للدفاع عن نفسها يجب عليها تعزيز قدراتها العسكرية. تصريحات ماكرون الأخيرة حول زيادة ميزانية الدفاع الفرنسية واعترافه بأن السياسة الدولية تحكمها اليوم إرادة القوى وليس القوانين، توضح أن أوروبا تسير بهدوء نحو تعزيز قوتها العسكرية، وهذا قد يؤدي في النهاية إلى تصعيد التنافس العسكري بين أمريكا والصين، ويضعف مكانة أوروبا في السياسة الدولية أكثر فأكثر.

لینک کوتاه خبر:

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *