تجاوزت الاتفاقيات الثلاثية بين فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا حدود التصريحات العلنية، لتتحول إلى أدوات عملية لتقسيم الأدوار، وتبادل المعلومات، وحتى التنسيق في الاستجابة للأزمات؛ وهي اتفاقيات تهدف إلى ملء الفراغ الناجم عن غياب الدعم والتنسيق مع الولايات المتحدة.
بقلم: أندريه بيجان – محلل مستقل من رومانيا
عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لم تزلزل واشنطن فقط، بل وصلت ارتداداتها إلى أروقة صنع القرار في أوروبا. بالنسبة للقادة في برلين وباريس ولندن، الرسالة واضحة: زمن الضمانات الأمنية العابرة للأطلسي بلا شروط قد ولّى. ما كان يُنظر إليه في ولايته الأولى كاستثناء عابر، يُتعامل معه الآن كواقع استراتيجي دائم.
في هذا السياق، بدأت القوى الأوروبية الثلاث الكبرى — ألمانيا وفرنسا وبريطانيا — بتسريع التنسيق الأمني فيما بينها. هذا التنسيق لا يتم عبر المؤسسات الرسمية للاتحاد الأوروبي، بل عبر ترتيبات ثلاثية مرنة تستند إلى البراغماتية وردود الفعل الفورية. وكما قال أحد المحللين الفرنسيين مؤخرًا: “الاستقلال الاستراتيجي لم يعد حلماً… بل أصبح موعداً نهائياً”.
ما يدفع هذا التحوّل ليس فقط ترامب، بل أيضاً إدراك عميق بأن الأزمات التي تعصف بالعالم — من حرب أوكرانيا إلى التصعيد في الشرق الأوسط وصعود الصين — تكشف هشاشة الموقف الأوروبي. وجود ترامب في المشهد السياسي يضيف طبقة أخرى من اللايقين: الخشية لا تقتصر على انسحاب محتمل من الناتو أو التخلي عن أوكرانيا، بل تشمل احتمال أن يحدث ذلك دون سابق إنذار.
في الخلفية، تحوّلت التصريحات المشتركة إلى مجموعات عمل، والحوار الحذر إلى خطط قابلة للتنفيذ. تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتدريبات المشتركة، وتنسيق المواقف باتت ممارسات جارية بين هذه الدول الثلاث، أحيانًا بعيدًا عن بروكسل، وأحيانًا بتجاوز أطر الناتو التقليدية.
في أوروبا الشرقية، حيث كان الاعتماد على المظلة الأمنية الأميركية قاعدة راسخة، يُنظر إلى هذه التطورات بمزيج من الأمل والقلق. فكرة أوروبا تعتمد على نفسها تبدو جذابة، لكن السؤال الحقيقي هو: هل يمكن تحقيقها؟
الأمر المؤكد هو أن الغرب لا ينتظر واشنطن هذه المرة. إنه يضع خططه البديلة. ومن موقعنا في الشرق، لم يعد السؤال “هل ستفعل أوروبا ذلك؟”، بل “إلى أي مدى يمكن أن تذهب بمفردها؟”