الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على الدوحة لم يستهدف فقط أراضي دولة عربية، بل تحدّى أيضًا أسس الردع الإقليمي. السؤال الأساسي الآن: كيف سيتصرف العالم العربي أمام كسر هذا الخط الأحمر التاريخي؛ صمت آخر أم رد يغيّر قواعد اللعبة؟
إيران فيو24 – دولي
الهجوم المفاجئ لإسرائيل على الدوحة، الذي وصفته العديد من وسائل الإعلام الدولية بأنه عمل غير مسبوق ضد سيادة دولة في الخليج الفارسي وفي الوقت نفسه استضافتها الرئيسية لمحادثات الوساطة بشأن القضية الفلسطينية، يمثل منعطفًا حساسًا وحاسمًا في الحسابات الأمنية الإقليمية.
وقد جاء رد فعل رسمي سريع من قطر وإعلان الدعم السياسي من دول المنطقة، بما في ذلك الإمارات والسعودية، في حين لم تستطع الحكومات الغربية عالميًا البقاء صامتة وأعربت عن قلقها. ومع ذلك، يظل السؤال الأساسي بلا إجابة: ما الإجراءات العملية التي ستتخذها قطر وحلفاؤها العرب في مواجهة انهيار ردع دولة عربية؟
نظرًا لأنماط سلوك الدول العربية—وخاصة خلال حرب غزة التي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 70 ألف مدني بريء—يشك العديد من المراقبين في قدرة قطر على اتخاذ رد فعال ومناسب تجاه الهجوم الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه، يحذر المحللون من عواقب عدم تحرك العالم العربي تجاه هذا الهجوم العدواني. وفقًا لهذا المنظور، أصبح الردع العربي أمام إسرائيل الآن ضعيفًا تمامًا ويحتاج إلى إعادة بناء عاجلة.
الردع بشكل عام يقوم على ثلاثة عناصر رئيسية: القدرة، الإرادة، وإرسال رسالة واضحة للخصم حول تكلفة أي عمل عدائي.
من هذا المنظور، بغض النظر عن النقاش حول القدرة العسكرية – والتي تعتبر أقل أهمية – إذا فشلت الحكومات العربية في الرد بفعالية وبشكل منسق على هجوم يستهدف أراضيها أو أراضي حليف إقليمي، فإنها تصبح عرضة للخطر على مستويين:
-
الإرادة – القدرة على الصمود أمام العدوان. استمرار الصمت أمام سنتين من الحرب والإبادة في غزة، والذي يُنظر إليه من قبل الخصم المحتمل كضعف، أصبح الآن بلا معنى على الإطلاق.
-
الرسائل – توجيه الرسائل للجمهور المحلي والجهات غير الحكومية (الجماعات المسلحة أو الرأي العام). عدم تحرك الحكومات يزيد من شعور بعدم الأمان وفقدان الثقة في قدرتها على حماية السيادة، خاصة مقارنة بمقاومة إيران التي دامت 12 يومًا ضد الهجمات الأمريكية والإسرائيلية، والتي أصبحت رمزًا للصمود في نظر الجمهور العربي وعشاق الحرية عالميًا.
وبالتالي، فإن الرسالة من رد قطر المحدود على إسرائيل واضحة: إذا اقتصر الرد على الإدانة الدبلوماسية أو التعبير عن الأسف، دون فرض تكلفة ملموسة واستراتيجية على المعتدي، فإن إسرائيل – وأي جهة أخرى – ستفهم أن لديها مساحة أوسع لمزيد من العدوان. على المدى القصير، قد يؤدي هذا إلى تصاعد السلوك العدواني في مناطق حساسة، بما في ذلك استهداف القادة في دول ثالثة، وعلى المدى المتوسط، سيضعف الردع العربي الرسمي ضد الهجمات العابرة للحدود بشكل كبير.
ومع ذلك، لماذا قد لا يكون الرد الواسع أو العسكري على جدول أعمال قطر؟ هناك عدة عوامل توضح ذلك:
-
الاعتماد الأمني والاستخباراتي على الولايات المتحدة والقلق من العواقب المباشرة أو تدهور العلاقات مع واشنطن.
-
الفجوة الواضحة في القدرات العسكرية ومخاطر الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
-
المصالح الاقتصادية والطاقة المرتبطة بالعلاقات مع اللاعبين الدوليين.
-
تفضيل بعض الدول إدارة الأزمات عبر القنوات الدبلوماسية والقانونية لتجنب دورة عنف أوسع.
تبرر هذه العوامل الامتناع عن العمل العسكري، لكنها لا تغيّر الرسالة السياسية بعدم معاقبة المعتدي. يرى الاستراتيجيون أن عدم معاقبة إسرائيل على هجومها على قطر – حتى لو أدى ذلك للسيطرة على التصعيد الإقليمي – سيكلف الحكومات العربية ثمنًا داخليًا باهظًا، بما في ذلك انخفاض الشرعية لدى الجمهور الغاضب من جرائم إسرائيل والإبادة في غزة، وهو ما قد يمكّن الجهات غير الحكومية أو يثير تدخلها بشكل أكثر تطرفًا، مما يزيد من دوامة عدم الثقة والصراع إقليميًا، ويعزز الانقسام بين الدول العربية التي غير قادرة على حماية بعضها البعض وإسرائيل التوسعية ذات القدرة والدافع الكبير للقيام بأعمال عابرة للحدود. هذه الديناميكية تخلق نمطًا من «إضعاف الثقة» وتزيد من ضعف الموقف العربي أمام إسرائيل.
يمكن تلخيص السيناريوهات الاستراتيجية المحتملة للدول العربية في مواجهة هذا الوضع كالتالي:
-
رد دبلوماسي وقانوني منسق: تقديم شكاوى في المحافل الدولية، تعليق مؤقت للعلاقات الدبلوماسية، واستخدام آليات الأمم المتحدة لممارسة الضغط السياسي. هذا الخيار منخفض التكلفة لكنه يرسل رسالة فعالة فقط إذا تم التنسيق على الفور.
-
إجراءات اقتصادية وعلاقاتية مستهدفة: إعادة النظر في التعاون الأمني-العسكري، تقييد وصول إسرائيل والولايات المتحدة إلى المعلومات الاستخباراتية أو القواعد العسكرية، أو فرض عقوبات اقتصادية عند الإمكان. هذا الإجراء أعلى تكلفة ويحمل مخاطر استراتيجية، لكنه يمارس ضغطًا حقيقيًا على المعتدي.
-
عمل عسكري محدود أو غير متناسب: أقل احتمالًا، لكنه يمكن أن يحقق تأثيرًا رادعًا فوريًا، مثل ضرب رمزي للأصول المرتبطة بإسرائيل في مناطق أخرى أو دعم خفي لمجموعات المقاومة.
-
مبادرة مؤسسية ضمن الأطر العربية-الإسلامية: إنشاء آليات جديدة تحت مظلة جامعة الدول العربية أو مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي لتعزيز الردع غير العسكري من خلال التعاون الأمني، السيبراني والدفاعي. هذا الخيار يعزز الردع على المدى الطويل، لكنه لا يغني عن استجابة فورية لإعادة بناء ردع قطر والعالم العربي.
من الواضح، إذا أظهرت الدول العربية—وخاصة القوى الكبرى في الخليج الفارسي—ردودًا محدودة أو رمزية فقط، فإن ردعها أمام الهجمات العابرة للحدود سيتراجع، سواء على مستوى الدول أو في الرأي العام. هذا الفراغ سيُؤخذ بالتأكيد بعين الاعتبار من قبل الخصوم المحتملين. الردود العسكرية المباشرة تحمل تكاليف ومخاطر عالية وقد تدفع المنطقة إلى دورة لا نهاية لها من التصعيد. وبناءً على أنماط سلوك الدول العربية، فإن الخيار الأكثر احتمالًا سيكون تنفيذ حزمة متعددة الطبقات من الإجراءات المنسقة دبلوماسيًا، العقوبات، والقيود المؤقتة المستهدفة على التعاون العسكري-الاستخباراتي.
في الختام، قد يمنع عدم معاقبة إسرائيل على الهجوم على قطر اندلاع حرب شاملة على المدى القصير، لكنه على المدى المتوسط سيضعف بشدة القدرة الردعية والشرعية السياسية لكل من قطر والدول العربية الأخرى، ويفتح الباب لهجمات عابرة للحدود في المستقبل. فقط الاستجابة الذكية والمتعددة الطبقات والمنسقة يمكن أن تفرض تكلفة فعلية وقابلة للحساب على المعتدي، وتمنع التصعيد غير المتحكم فيه، وتعيد بناء الردع العربي.