في الوقت الذي تحتاج فيه منطقة الشرق الأوسط إلى الاستقرار أكثر من أي وقت مضى، فإن استمرار الهجمات الإسرائيلية على البنية التحتية السورية بات يشكل تهديداً متصاعداً للأمن الإقليمي والأوروبي؛ من أزمة الهجرة إلى تنامي التطرف، فإن تداعيات هذا التفكيك البنيوي تتجاوز حدود الشام.
مروان العباس – محلل جيوسياسي سوري
في ظل حاجة منطقة الشرق الأوسط الماسة اليوم إلى الهدوء ومسارات مستقرة لإعادة الإعمار والتنمية، تُمعن التدخلات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية في سوريا في خلق أبعاد جديدة من زعزعة الاستقرار الهيكلي، لا تقتصر تبعاتها على الداخل السوري فقط، بل تُعد تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي والأوروبي في المدى القريب.
فإسرائيل ومنذ سنوات، تستغل الفراغات الأمنية والاختلالات السيادية الناتجة عن الحرب الأهلية السورية للقيام بإجراءات لا تقتصر على الطابع العسكري، بل تستهدف بشكل عميق البُنى الوطنية والاقتصادية والاجتماعية لسوريا. من الضربات الجوية الدقيقة على البنى التحتية والمطارات، إلى عمليات اغتيال الكفاءات العلمية والتقنية، فإن الهدف الأساسي لهذه التحركات لم يكن “الردع” تجاه النفوذ الإيراني أو حزب الله فحسب، بل تعطيل مسار إعادة بناء الدولة السورية، والإبقاء على جرح دائم مفتوح في قلب الشام.
وما يدعو للقلق أكثر هو صمت، بل وتواطؤ بعض الفاعلين الغربيين مع هذه الممارسات؛ رغم التحذيرات المتكررة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الحقوقية بشأن الآثار الكارثية لهذه السياسات. هذا الصمت لا ينبع من جهل، بل هو انعكاس لحسابات جيوسياسية ولتأثير واسع للوبيات الصهيونية داخل مراكز القرار الغربي.
لكن هذا اللعب بالنار بأيدٍ فارغة لا يحرق التراب السوري وحده؛ فالتاريخ يبين أن كلما تعرضت منطقة الشام لأزمات وانهيارات، فإن ارتداداتها تتدفق كأمواج عاتية نحو تركيا واليونان وسائر دول أوروبا. ففي عام 2015 وحده، شكّلت أزمة اللجوء السوري إحدى أكبر التحديات الأمنية والسياسية التي واجهها الاتحاد الأوروبي، ولا تزال تداعياتها النفسية والاقتصادية والسياسية قائمة حتى اليوم في ألمانيا وفرنسا وهولندا.
واليوم، ومع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على مطاري دمشق وحلب وتعطيل خطوط الإغاثة والتجارة وإعادة الإعمار، تُطرح مخاوف جدية من انطلاق موجة جديدة من الهجرة القسرية، خصوصاً من المناطق الشمالية والوسطى من سوريا. وهذه المرة، لن يفرّ اللاجئون من ويلات الحرب فقط، بل من انهيار كامل للبنية التحتية الحيوية والخدمات العامة.
ومن جهة أخرى، فإن عدم الاستقرار في سوريا يؤدي حتماً إلى إعادة تنشيط خلايا الجماعات المتطرفة التي تجد في الفراغ الأمني والبؤس الاجتماعي بيئة خصبة للعودة، وهو التهديد ذاته الذي تخشاه الدول الأوروبية، لكنها، من خلال تجاهلها للمسبب الحقيقي – سياسات إسرائيل المزعزعة – تصبح شريكاً ضمنياً في تعزيز هذا الخطر.
وفي الختام، لا بد من التأكيد أن استمرار هذا النهج الإسرائيلي لا يخدم أمن إسرائيل ذاته، بل يُسهم في تأجيج عدم الاستقرار في كامل المنطقة وحتى على حدود أوروبا. والسبيل الوحيد لكبح تداعيات الأزمة السورية هو الوقف الفوري للهجمات العابرة للحدود، واحترام السيادة الوطنية السورية، والعودة إلى إطار دبلوماسي واقعي. وأي تأخير في هذا المسار ستكون كلفته باهظة على جميع الأطراف الإقليمية والدولية.