FA | EN
2025-10-05 00:24
FA| EN
2025-10-05 00:24

اشتراک گذاری مطلب

العلاقات المصرية – الإيرانية بين الانفتاح المقيد والدبلوماسية النووية

في خضم التحولات المتسارعة في الشرق الأوسط ومع الانكفاء النسبي للولايات المتحدة عن معادلات المنطقة، تمضي القاهرة وطهران تدريجياً في اختبار مسار جديد؛ مسار يتجسّد في «الانفتاح المقيّد» لمصر و«الدبلوماسية النووية» لإيران، وقد يُعيد رسم المعادلات التقليدية للقوة في العالم العربي والشرق الأوسط.

مصطفى كمال باحث في شوؤن الأمن الإقليمي

شهدت السنوات الأخيرة تحولات عميقة في البيئة الدولية والإقليمية دفعت مصر وإيران إلى إعادة تقييم مقاربتهما للعلاقات الثنائية. فمع الانكفاء النسبي للولايات المتحدة عن ملفات الشرق الأوسط، أصبح المجال مفتوحًا أمام قوى إقليمية متوسطة الحجم لإعادة صياغة أدوارها في بيئة جيوسياسية سائلة تتجه نحو تعددية الأقطاب. هذا السياق وفّر مناخًا ملائمًا لانفتاحات محسوبة تتجاوز الاستقطابات التقليدية، وخلق فرصة أمام القاهرة وطهران لتجريب مسارات دبلوماسية جديدة.

من الجانب الإيراني، مثّل التحول من استراتيجية “الدفاع المتقدم” عبر جماعات المقاومة إلى مقاربة أكثر انفتاحًا على دول الإقليم لحظة فارقة. فقد واجهت طهران في السنوات الأخيرة تحديات قاسية، تمثلت في استهداف منشآتها النووية وضغوط متزايدة على نفوذها في العراق ولبنان واليمن وسوريا، فضلًا عن ارتباك داخلي. هذه التطورات دفعتها إلى مراجعة نهجها الأمني والسعي إلى تخفيف الضغوط عبر تحسين العلاقات مع قوى محورية في المنطقة، على رأسها السعودية ومصر. ومن ثم لم يعد التقارب مع القاهرة خطوة تكتيكية عابرة، بل يعكس إدراكًا إيرانيًا بضرورة بناء منظومة علاقات أكثر استقرارًا وتنوعًا.

أما مصر، فإن تراجع قدرة واشنطن على فرض تسويات إقليمية جعلها أكثر اهتمامًا بتنويع شراكاتها الخارجية والانفتاح على قوى غير تقليدية. القاهرة لا ترى إيران مجرد خصم تاريخي، بل فاعل أساسي يصعب تجاهله في أي ترتيبات إقليمية تخص الأمن والاستقرار. من هنا برزت مقاربة “الانفتاح المقيد” التي تمنح مصر هامش مناورة أوسع، دون أن تفقد توازنها مع تحالفاتها العربية أو شراكاتها مع الولايات المتحدة.

في هذا الإطار، برزت الوساطة النووية كمؤشر على انخراط مصري أكثر عمقًا في ملفات حساسة تخص إيران. اللقاء الثلاثي في القاهرة بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي، وزير الخارجية المصري، ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، لم يكن مجرد حدث بروتوكولي، بل مثّل رسالة سياسية واضحة بأن القاهرة مستعدة لتوظيف مصداقيتها التاريخية في ملف عدم الانتشار لإدارة حوار تقني – سياسي يربط بين طهران والمجتمع الدولي. هذه الخطوة تؤهل مصر للعب دور جديد كجسر بين العالم العربي وإيران في القضايا النووية.

البعد الاقتصادي يشكّل بدوره رافعة إضافية للتقارب. فإيران ترى في مصر بوابة طبيعية نحو السوق الإفريقية، فيما تنظر القاهرة إلى إيران كمصدر محتمل للطاقة بشروط تنافسية، خاصة في ظل الأزمة العالمية وارتفاع أسعار النفط. ورغم العقوبات المفروضة، إلا أن استخدام طهران “الأسطول الشبحي” لتصدير النفط يفتح مجالًا لترتيبات تجارية مرنة، يمكن أن تساعد مصر على تأمين بعض احتياجاتها الطاقوية دون صدام مباشر مع واشنطن. هذا المنطق الاقتصادي يعزز فرص بناء شراكة قائمة على المصالح المتبادلة.

في الجانب العسكري، ورغم صعوبة الإعلان عن تعاون مباشر، فإن تقارير عدة أشارت إلى اهتمام مصري بالاطلاع على بعض تقنيات الطائرات المسيّرة الإيرانية أو الخبرات المرتبطة بأنظمة الدفاع منخفضة الكلفة. من منظور طهران، إدماج مصر في أي صيغة تعاونية دفاعية— ولو على نطاق محدود—يمثل مكسبًا سياسيًا واستراتيجيًا، بينما ترى القاهرة أن تنويع مصادر التسليح يمنحها هامش مناورة أكبر في علاقاتها مع الغرب.

يبقى التوازن الإقليمي هو العامل الحاسم في تحديد مستقبل هذا التقارب. فمصر حريصة على عدم الإضرار بعلاقاتها الوثيقة مع دول العربية، وتدرك أن أي انفتاح مفرط على إيران قد يثير حساسيات في الرياض وأبوظبي. لذا تفضّل القاهرة التدرج والحفاظ على صيغة “حوار دون تحالف”، بما يضمن لها الاستفادة من قنوات التواصل مع طهران دون أن تتحول إلى جزء من محاور الاستقطاب الحادة. بالنسبة لإيران، لا يُعد ذلك عائقًا بل فرصة، إذ ترى أن موقع مصر كوسيط متوازن يمكن أن يساعدها على كسر طوق العزلة الإقليمية.

غير أن تحديات إقليمية قائمة تفرض نفسها على مسار العلاقات، وفي مقدمتها الملفات السورية واليمنية واللبنانية. فالقاهرة تعتبر أن التمدد الإيراني في هذه الساحات يُفاقم التدخلات الأجنبية، في حين ترى طهران أن هذه الملفات يمكن أن تكون مجالًا للنقاش والتفاهم لا سببًا للقطيعة. نجاح أي تقارب حقيقي سيظل رهينًا بقدرة الطرفين على إدارة هذه الملفات الحساسة من دون تحويلها إلى عقبة هيكلية.

في هذا السياق، تبرز أهمية الدبلوماسية المتعددة الأطراف. إدماج مصر في الترتيبات النووية قد يفتح الباب أمام كونسورتيوم نووي إقليمي يربط بين البعد العربي والإيراني تحت إشراف الوكالة الدولية. كما أن التعاون الثلاثي بين مصر وإيران وسلطنة عمان يمكن أن يتحول إلى منصة حوار جديدة، تعزز من القدرة على تجسير الهوة بين طهران والعالم العربي، وتمنح القاهرة مساحة إضافية لتأكيد مكانتها كفاعل توازني.

السيناريوهات المستقبلية للتقارب تتراوح بين تطبيع انتقائي يقتصر على المجالات الاقتصادية والدبلوماسية النووية، أو تفاهم وظيفي محدود يخدم مصالح متبادلة في لحظة محددة، أو انتكاسة محتملة بفعل تصعيد إقليمي أو ضغوط خارجية. لكن ما يبدو مؤكدًا أن الطرفين يتعاملان مع العلاقة باعتبارها استثمارًا طويل الأجل. بالنسبة لإيران، هي فرصة لتوسيع علاقاتها الإقليمية وتعزيز شرعيتها في محيطها الجيوسياسي، وبالنسبة لمصر، هي ورقة لتعزيز مكانتها كقوة توازن قادرة على إدارة تناقضات المنطقة.

في المحصلة، يمكن القول إن مسار الانفتاح المصري – الإيراني ليس قطيعة مع الماضي بقدر ما هو تعبير عن نضج جديد في إدراك الطرفين لأهمية التهدئة وتوسيع دوائر المصالح المشتركة. ومع أن البيئة الإقليمية لا تزال مليئة بالتعقيدات، فإن وجود قنوات تواصل دائمة، وتفضيل منطق التدرج على القفزات المفاجئة، يعزز فرص المضي في هذا المسار، ويفتح الباب أمام دور مصري أكثر فاعلية في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية على أسس أكثر استقلالية ومرونة.

لینک کوتاه خبر:

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *