بينما لا يزال العالم في صدمة من جرائم إسرائيل في غزة، أقدمت أستراليا، في خطوة غير مسبوقة ومنسجمة مع واشنطن وتل أبيب، على طرد السفير الإيراني وإدراج الحرس الثوري ضمن قائمة الجماعات الإرهابية؛ قرار يُعَدّ أكثر من كونه نابعًا من المصالح الوطنية لكانبيرا، رمزًا واضحًا على تبعية هذا البلد البنيوية للمحور الغربي.
طهران – إيران فيو24
صباح الثلاثاء 4 شهریور، فوجئت إيران بخبر صادم؛ إذ اتخذت الحكومة الأسترالية إجراءً غير مسبوق وعدائي ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مستندة إلى اتهامات غير مثبتة حول تدخل طهران في هجومين بسيدني وملبورن، حيث قامت بطرد السفير الإيراني وتعليق نشاط سفارتها في طهران. واكتمل هذا القرار بإعلان رئيس الوزراء الأسترالي إدراج اسم الحرس الثوري الإسلامي ضمن قائمة الجماعات الإرهابية؛ حدثٌ وإن كان ذا طابع رمزي، إلا أنه يُفسَّر تمامًا في ضوء تاريخ السياسة الخارجية لأستراليا.
نهج السياسة الخارجية الأسترالية
1- التبعية البنيوية للغرب: كانت أستراليا دائمًا من الحلفاء المخلصين للولايات المتحدة وبريطانيا، وسياساتها الخارجية غالبًا ما تحدد في إطار التحالفات الأنجلوسكسونية مثل Five Eyes وANZUS.
2- الارتباط بالاستراتيجيات الأمريكية: في معظم الملفات الدولية، من حرب العراق وأفغانستان إلى العقوبات على إيران، عملت كانبيرا فعليًا كتابعة لسياسات واشنطن.
3- استعراض القوة في منطقة آسيا-المحيط الهادئ: تسعى أستراليا، في ظل الدعم الأمريكي، إلى لعب دور “الشرطي الإقليمي”، وغالبًا ما تتخذ مواقف أشد من وزنها الفعلي.
4- الحساسية الخاصة تجاه موضوع معاداة السامية: للجالية اليهودية واللوبيات المؤيدة لإسرائيل تأثير بارز في السياسة الداخلية الأسترالية. ولهذا تبنت الحكومات المتعاقبة في كانبيرا مواقف صارمة وأحيانًا متطرفة تجاه القضايا المتعلقة بإسرائيل واليهودية.
دوافع خطوة كانبيرا
إضافة إلى الاعتبارات الخفية في العلاقات الثلاثية بين أستراليا والكيان الصهيوني والولايات المتحدة، ومساعي صرف أنظار الرأي العام العالمي عن جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة ـ التي كان آخر مظاهرها الهجوم على مستشفى ناصر وموجة الإدانات العالمية ـ يمكن الإشارة إلى الدوافع التالية:
1- التنسيق مع أمريكا وإسرائيل: توقيت هذه الخطوة يكشف انسجامًا واضحًا لكانبيرا مع الضغوط الجديدة من واشنطن وتل أبيب ضد طهران؛ وكأن أستراليا تظهر مجددًا في دور “الجندي السياسي للغرب”.
2- نقل رسالة سياسية: طرد السفير الإيراني عمليًا ليس أكثر من إيماءة دبلوماسية ورسالة واضحة عن ولاء كانبيرا لمحور أمريكا – إسرائيل.
3- حسابات داخلية: تحاول حكومة أنطوني ألبانيزي، عبر اتخاذ موقف متشدد تجاه إيران، كسب رضا الجالية اليهودية ووسائل الإعلام وجزء من الرأي العام الداخلي.
السيناريوهات المقبلة
-
تصعيد المواجهة السياسية
في حال استمرار النهج الحالي، قد تقدم أستراليا على خطوات عدائية إضافية؛ مثل تشديد العقوبات، فرض قيود دبلوماسية، وتوسيع التعاون الاستخباراتي مع إسرائيل. وفي هذه الحالة، ستضطر إيران إلى اتخاذ خطوات مقابلة ـ مثل طرد الدبلوماسيين الأستراليين أو تقييد العلاقات التجارية والثقافية ـ لتبقى العلاقات بين البلدين في حدها الأدنى. -
إدارة الأزمة والحفاظ على قنوات اتصال حدّية
رغم طرد السفير، قد تُبقي كانبيرا بعض القنوات مفتوحة. مثل هذا النهج يؤدي إلى نوع من “العلاقة المجمّدة ولكن القائمة”، ما قد يتيح لاحقًا أرضية لخفض التوتر أو إجراء مفاوضات محدودة. -
عودة مؤقتة إلى علاقات محدودة
قد تُعيد أستراليا، بعد تراجع ضغوط واشنطن وتل أبيب، مستوى معينًا من العلاقات الدبلوماسية مع إيران؛ على غرار ما فعلت سابقًا مع الصين وبعض الدول الآسيوية. ومع ذلك ستظل حالة انعدام الثقة البنيوية قائمة.
الخلاصة
إن خطوة أستراليا الأخيرة لا تعكس مصالحها الوطنية بقدر ما هي نتاج تبعيتها البنيوية والتاريخية لسياسات الولايات المتحدة وإسرائيل. هذا الموقف منسجم تمامًا مع ماضي السياسة الخارجية الأسترالية، ويؤكد أن هذا البلد لا يزال يتحرك ضمن الاستراتيجيات الكبرى للغرب.
أما بالنسبة لإيران، فالنهج الأكثر واقعية يتمثل في إدارة الأزمة، التحلي بضبط النفس الدبلوماسي، تفعيل الدبلوماسية العامة في الإعلامين الداخلي والعالمي، والتعامل البراغماتي مع العلاقات مع أستراليا؛ إذ إن هذا البلد، خلافًا لأوروبا أو الصين، لا يملك وزنًا مستقلاً في معادلات إيران الدولية، ويؤدي دورًا أقرب إلى “ذراع مكمِّل للغرب”.