مع تجدد تصاعد التهديدات الأوروبية بتفعيل آلية «الزرّ الذاتي» (snapback)، خاصة في ظل دورهم الظاهر والذو مغزى في الهجمات العدائية الأخيرة التي شنّها كلّ من الولايات المتحدة ونظام الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية، بات الآن مؤكداً أن أوروبا لعبت دورًا هامًا في مشروع «قتل الاتفاق النووي»، وتتصرف الآن كفاعل نشط في سيناريو تأجيج الحرب. هذا النص هو تقرير موثَّق بشأن دور أوروبا في المأزق الدبلوماسي.
طهران – إيران فيو ۲۴
اتفاق عام ۲۰۱۵ (JCPOA) بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والغرب، كان يمكن أن يشكّل نقطة تحوّل في العلاقات السياسية والاقتصادية بين إيران والاتحاد الأوروبي، ويكون منصة استراتيجية لفتح فصل جديد في العلاقات الثنائية. غير أن الاتحاد الأوروبي، عبر اتباع نهج مزدوج، سلبي وأحياناً غير ملتزم—وفي السنوات الأخيرة حتى عدائي—امتنع عن استثمار هذه الفرصة الاستراتيجية.
عدم الالتزام بالتعهدات المتعلقة باتفاق JCPOA، والانسحاب الفعلي دون إعلان من الاتفاق، وإصدار بيانات سياسية وغير واقعية من قبل الثلاثي الأوروبي على هامش اجتماعات مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتوسيع نطاق النقاش من البرنامج النووي إلى البرنامج الصاروخي الإيراني، وفي النهاية التهديدات الأخيرة بشأن تفعيل آلية الزرّ الذاتي، قد دفعت المسار الدبلوماسي فعليًا نحو موت تدريجي. علاوة على ذلك، الهجوم العسكري الذي استمر اثني عشر يومًا والذي شنّه النظام الإسرائيلي والولايات المتحدة على إيران طُبّق مباشرة بعد تبنّي مجلس المحافظين لقرارٍ أوروبيّ، مما يدلّ بوضوح على توازي خطير في هذه السياسات.
ومع ذلك، يأتي الاتحاد الأوروبي في تناقضٍ صارخ حين يتهم إيران بعدم الالتزام بتعهدات JCPOA، في الوقت الذي لم يتخذ فيه أي خطوة عملية للحفاظ على الاتفاق بعد الانسحاب الأحادي والقانوني غير، بل تحرّك عمليًا نحو تقويضه.
نمطان محبطان من تعامل الاتحاد الأوروبي عقب خروج الولايات المتحدة من الاتفاق
نهج الاتحاد الأوروبي بعد خروج الولايات المتحدة من JCPOA، أسفر بوضوح عن جملة من الأسباب التي غرست الشك واليأس في نفوس المسؤولين الإيرانيين، في محورين رئيسيين:
-
ادعاء الشراكة من خلال آليات مثل INSTEX؛ وهي آلية لم تكن تمتلك القدرة التنفيذية أو الدعم الفعّال لتمكين إيران من الاستفادة من مزايا الاتفاق، بل صارت عمليًا أداة خداع لإبقاء إيران ملتزمة بتعهدات أحادية الجانب.
-
اعتماد سياسة التهديد والضغط، بالاعتماد على تهديد تفعيل آلية الزرّ الذاتي، مصحوبًا بفرض قيود اقتصادية وسياسية غير رسمية، وإصدار بيانات متكررة في مجالات غير ذات صلة مثل حقوق الإنسان والقدرات الصاروخية الإيرانية؛ وهو نهج متناغم تمامًا مع السياسات الأمنية‑السياسية لتل أبيب وواشنطن في مشروع تأمين إيران وتقييد الدبلوماسية النووية.
آلية الزرّ الذاتي التي وردت في نص JCPOA كوسيلة أخيرة لتسوية النزاعات، كان يفترض أن تُفعّل فقط في حالة خرق جسيم من قبل أحد الأطراف وبعد إجراءات قانونية وتحققية. لكن التهديد باستخدامها دون مراعاة الوقائع الميدانية والاشتراطات القانونية والسياسية لم يُدمر فقط جواً من الثقة، بل أضعف أيضًا إمكانية العودة إلى المسارات البناءة بشكل شديد.
الفرصة الضائعة للاتحاد الأوروبي
في حين كان بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يُفرّق بوضوح بين الخلافات السياسية والتزامات JCPOA الفنية، ويهيئ بذلك الأرضية لتوسيع العلاقات الثنائية، وتحقيق فوائد متبادلة من الصفقة، وإعادة بناء الثقة، وبالتالي رسم أفق جديد في العلاقات السياسية‑الأمنية بين طهران وبروكسل، إلا أن أوروبا اختارت مجددًا تبني سياسة التبعية التقليدية لواشنطن، مما قلّص عمليّا التزامها بالاتفاق.
تناغم السياسات الأوروبية مع الولايات المتحدة بعد انسحاب واشنطن
بعد الانسحاب الأحادي للولايات المتحدة في مايو ۲۰۱۸، لم يكن أداء الاتحاد الأوروبي الفعلي في الحفاظ على JCPOA مختلفًا بشكل جوهري عن سياسات أمريكا. لقد اتجهت بروكسل نحو تأمين البرنامج النووي والدفاعي الإيراني، إلى جانب تكرار اتهامات في مجالات مثل حقوق الإنسان، مما يؤكد التناغم الكامل مع واشنطن.
رغم أن واجبات الاتحاد الأوروبي تجاه إيران كانت موضحة بوضوح في نص JCPOA، فإن تصرفات الاتحاد ظلّت دائمًا مقرونة بالغموض والتناقض. فعندما خفّضت إيران التزاماتها النووية ردًا على عدم التزام الأطراف الأخرى، اعتبرت أوروبا ذلك انتهاكًا للاتفاق بناءً على قرار ۲۲۳۱—رغم أن مقدمة الاتفاق تشير بوضوح إلى الطبيعة «المرحلية» و«الالتزامات المتبادلة».
توثّق التقارير المتعددة، بما في ذلك تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبيانات اللجنة المشتركة حتى عام ۲۰۱۹، أي بعد عام من انسحاب أمريكا، التزام إيران الكامل بتعهداتها. وتؤكد حتى الادعاءات الأوروبية رسميًا أن ۲۰۱۹ كان بداية انخفاض التزامات إيران. والسؤال المحوري هو: ما الخطوات الملموسة التي اتخذتها أوروبا خلال تلك الفترة لتنفيذ التزاماتها في JCPOA؟
انتهاك واضح لتعهدات الاتحاد الأوروبي
بموجب نص JCPOA الصريح، كان الاتحاد الأوروبي ملتزمًا، حال تطبيق الاتفاق، بإلغاء كافة العقوبات الاقتصادية والمالية المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، وضمان استفادة إيران الكاملة من المنافع الاقتصادية للصفقة. ومن ضمن تلك المزايا:
-
تسهيل التحويلات المالية بين المؤسسات الإيرانية والأوروبية؛
-
إقامة العلاقات المصرفية وفتح فروع للبنوك الإيرانية في أوروبا؛
-
تقديم خدمات التأمين ونظام SWIFT؛
-
دعم مالي للتجارة والاستثمار ومنح قروض تفضيلية؛
-
التجارة في النفط والغاز والبتروكيماويات والتقنيات ذات الصلة؛
-
الوصول إلى المطارات ومسارات النقل البحري؛
-
وشطب قوائم الأفراد والكيانات المشمولة بالعقوبات، وغيرها من بنود عديدة.
غير أن الاتحاد الأوروبي لم يلتزم فقط بتنفيذ تلك التعهدات، بل عمليا، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، طبّق عقوبات جديدة بطريقة غير مباشرة. وهذا بينما يوجب عليه الاتفاق تفادي أي سياسة أو إجراء يؤثر سلبيًا ومباشرًا في تطبيع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إيران.
تقاعس أوروبا في الوفاء بالتزاماتها
في بيان اجتماع وزراء خارجية إيران ومجموعة ۱+۴ في ٦ يوليو ۲۰۱۸، التزمت الدول الأوروبية بـ ۱۱ إجراء عمليًا للحفاظ على JCPOA بعد انسحاب أمريكا، ومنها:
-
الحفاظ وتوسيع العلاقات الاقتصادية مع إيران
-
الحفاظ على القنوات المالية
-
استمرار صادرات النفط والمنتجات البتروكيميائية
-
استمرار العلاقات النقلية
-
رفع سقف الاعتمادات التصديرية
-
دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة
-
تشجيع الاستثمار
-
دعم الأنشطة المالية والتجارية
-
تعزيز التفاعل بين القطاعين العام والخاص
-
الدعم العملي للتجارة
-
حماية الشركات من العقوبات الثانوية الأمريكية
يضاف إلى ذلك التأخير في إطلاق INSTEX وتحويله إلى هيكلٍ محدود لتداول السلع غير الخاضعة للعقوبات (كالطعام والدواء)، ما يُعدّ مدرجًا ضمن قائمة تقاعس الاتحاد الأوروبي تجاه الاتفاق النووي. وهذا الأمر شكّل عامل إحباط دفع إيران للابتعاد عن الالتزامات النووية أحادية الجانب.
وقد مثّلت هذه التراجعات الأوروبية التضليلة عن المسار الدبلوماسي، رغم ادعائها الدائم بأنّها جزء من JCPOA وتأكيدها على التزامها بإحياء الاتفاق النووي عام ۲۰۱٥ كعنصر رئيس في بنية عدم الانتشار العالمية وبموجب القرار ۲۲۳۱، مثالاً واضحًا على أنها عمليًا لم تلتزم فقط بتعهداتها، بل وبتنفيذ سياسات منسجمة مع الولايات المتحدة تمهيدا للضغط، أدّت في النهاية إلى انسداد المسار الدبلوماسي.