FA | EN
2025-08-27 07:50
FA| EN
2025-08-27 07:50

اشتراک گذاری مطلب
أنيبال غارثون، عالم اجتماع وأستاذ إسباني، قال في حوار مع "إيران فيو24":

إيران وإسرائيل في مرآة صراع النظم العالمية

في خضم حرب السرديات وصراع القوى العالمية، يرى أنيبال غارثون، عالم الاجتماع والأستاذ الإسباني، أن الصراع بين إيران وإسرائيل لا يمكن اختزاله ببساطة في مواجهة تاريخية أو إقليمية. فهو يعتبر هذه المواجهة انعكاساً لتصادم منطقين مختلفين: «النظام الأحادي القطب الغربي المتمركز حول الولايات المتحدة» في مقابل «النظام الناشئ للجنوب العالمي» الذي، انطلاقاً من البريكس والروابط الجيوسياسية الجديدة، يسعى إلى إعادة تعريف القوة والسيادة في القرن الحادي والعشرين. ومن منظور غارثون، فإن الإعلام، واللغة الدبلوماسية، والألعاب المزدوجة لواشنطن لا تقل أهمية عن القنابل والدبابات؛ وهذا الصراع، أكثر من كونه أزمة محدودة، هو مشهد لمرحلة انتقالية متوترة نحو عالم متعدد الأقطاب.

إلهه طهماسبي – إيران فيو 24

في عالم يشهد تحوّلاً في ميزان القوى، تظلّ منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر الساحات حساسية وتوتراً في المنافسة الجيوسياسية. إنّ المواجهة بين إيران وإسرائيل ليست مجرد صراع حول التاريخ أو الحدود الإقليمية، بل تتعلق بمعنى النظام العالمي المستقبلي؛ نظام تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون من جهة، وتتصدى له القوى الصاعدة ودول الجنوب العالمي من جهة أخرى. وفي مثل هذا السياق، تكتسب وسائل الإعلام، واللغة الدبلوماسية، والتحالفات الدولية أهمية لا تقل عن أهمية الصواريخ والقواعد العسكرية. ومن أجل استكشاف هذه الأبعاد المعقّدة، أجرينا حواراً مع أنيبال غارثون، عالم الاجتماع الإسباني، أستاذ الجامعة ومؤلف كتاب «البريكس: الانتقال إلى نظام عالمي بديل».

إلى أي حد يمكن تقييم التوترات الجارية بين إيران وإسرائيل، ليس مجرد مواجهة إقليمية، بل كجزء من منافسة جيوسياسية أوسع بين «النظام العالمي المتمحور حول الولايات المتحدة» والقوى المعارضة له؟

إن المواجهة بين إسرائيل وإيران تتجاوز مجرد مواجهة تاريخية؛ فالخلاف القائم يعود إلى الثورة الإسلامية عام 1979، حيث دعمت إيران باستمرار الشعب الفلسطيني، وكان أحد أركان سياستها دعم فلسطين والتصدي للانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان من قبل الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة. يمكننا أن نحلل أن الأمر في القرن الحادي والعشرين لا يرتبط فقط بهذه الحقيقة التاريخية التي سرّعت هذا الصراع، بل يتصل أيضاً بتحليل السياق الدولي. نحن نعلم بوضوح أن إسرائيل هي حليف للنموذج الغربي بقيادة الولايات المتحدة مع شركائها التابعين مثل الاتحاد الأوروبي، دول الناتو، ومجموعة السبع. بينما إيران، ورغم كل العقوبات التي فرضتها عليها الولايات المتحدة وأوروبا لعزلها، أقامت تحالفات مهمة في الجنوب العالمي مع الصين وروسيا وأمريكا اللاتينية والدول الإفريقية. وهذا يخلق صورة في الخريطة الجيوسياسية حيث تكون إسرائيل في مواجهة إيران ضمن نموذج تهيمن عليه الأحادية القطبية بقيادة الغرب والولايات المتحدة، في مقابل نموذج جديد انتقالي حيث تسعى الدول والاقتصادات الناشئة ودول الجنوب العالمي أيضاً لأن يكون لها صوت في هذا النظام العالمي. لذلك فالأمر لا يقتصر على كونه صراعاً تاريخياً، بل يتجاوز الحقائق الراهنة. نحن نعلم أن علاقات إيران مع الصين وروسيا حالياً في مستوى عالٍ، وهو ما مكّنها من تجاوز العقوبات والقيود التي حاول الغرب فرضها. بل وحتى علاقاتها مع دول مثل فنزويلا، فكلا البلدين عضو في أوبك، وقد أقاما منذ عهد أحمدي نجاد وتشافيز تحالفات جيدة، رغم اختلافهما الثقافي ونماذجهما السياسية والاقتصادية، إلا أنهما نسجا تحالفات للدفاع عن سيادتهما.

إذن، القضية المطروحة هنا هي قيم التدخل والهيمنة من جانب الغرب، وفي هذه الحالة إسرائيل التي تعد أداة وحليفاً للولايات المتحدة، في مقابل القيم التي تجلبها النماذج الجديدة من الجنوب والتي تسعى إلى تعزيز السيادة والاحترام المتبادل. هذا هو الصراع الذي نشهده في عام 2025. إنه ليس مجرد مسألة تاريخية بين دولتين، بل نزاع على المستوى الدولي بين النظام العالمي القديم، إن صح التعبير، والنظام العالمي الجديد.

هل السرديات الإعلامية الغربية حول إيران والصراعات الأخيرة مع إسرائيل واقعية ومحايدة؟ وما الدور الذي يمكن تحديده للإعلام الدولي في إعادة إنتاج صور معينة عن إيران؟

فيما يتعلق بموضوع السرديات الإعلامية الغربية عن هذا الصراع، من الواضح أن وسائل الإعلام الغربية قد عكست هذه المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، والهجمات التي شنها الطرفان. من الواضح أن الإعلام الغربي قد صوّر إيران باعتبارها الفاعل الرئيسي أو العدو في هذه الساحة. وهذا يرتبط كثيراً بمسألة اللغة، حيث إن الإعلام الغربي يصوّر إسرائيل كديمقراطية ونموذج مشابه للغرب، رغم انتهاكاتها لحقوق الإنسان وانتهاكها المستمر للقانون الدولي الإنساني والإبادة الجماعية التي تمارسها منذ زمن طويل في غزة. لكن من الواضح والملاحظ أن أوروبا، على سبيل المثال، تدعو إسرائيل إلى الفعاليات الدولية الأوروبية مثل اليوروفيجن والفعاليات الرياضية، ولم تُفرض عليها أي عقوبات. في حين أن روسيا فُرضت عليها عقوبات، إلا أن هذا لم يحدث مع إسرائيل، وهذا معيار مزدوج.

وبالتالي فإن السرد الإعلامي، والقوة الناعمة، ووسائل الإعلام تلعب دوراً أساسياً في إضفاء الشرعية على إسرائيل في هذا السياق من الصراع، بينما يتم وصف إيران دائماً بلغتهم بأنها “النظام”، “نظام آيات الله”، “استبدادي”، “ديكتاتوري”، وذلك لكي يتضح في هذا الصراع أن الحليف الطبيعي للرأي العام الغربي هو إسرائيل وليس إيران. لذلك يجب ألا ننسى أنه في أي صراع هناك ما هو أكثر من القوة الصلبة، من قنابل ودبابات وذكاء اصطناعي. فمسألة اللغة والاتصال، خصوصاً في مجتمع الاتصال والمعلومات، تلعب دوراً بالغ الأهمية وتتمتع بمكانة كبيرة. وهذا يرتبط كثيراً بوسائل التواصل الاجتماعي، وكيف يحاولون باستمرار تلميع صورة حليف الغرب وتصويره وكأنه في حالة دفاع عن النفس، بينما يتم تصوير الخصم على أنه المعتدي، وفي هذه الحالة يحاولون تصوير إيران بهذه الصورة. ومن ثم يجب تحليل أن مسألة اللغة التواصلية في هذه المواجهة بالغة الأهمية.

كيف ينبغي تحليل دور الولايات المتحدة في التوترات المتكررة بين إيران وإسرائيل؟ وهل يمكن اعتبار هذه المواجهة انعكاساً للسياسات التدخلية والنظام الأمني المدعوم من واشنطن؟

لقد انكشف دور الولايات المتحدة بوضوح. فالولايات المتحدة تلعب لعبة مزدوجة. ففي مرحلة ما، ظهرت وكأنها تتفاوض مع إيران بشأن رفع العقوبات والبحث عن سبل للتوصل إلى حل، لكن كل ذلك لم يكن سوى عرض. ولا ينبغي أن ننسى اتفاق (5+1) الذي حاول من خلاله التفاوض مع إيران حول برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات. شاركت فيه ألمانيا، الاتحاد الأوروبي، فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة، الصين وروسيا. وإذا لم أكن مخطئاً، فقد انسحبت الولايات المتحدة في عام 2018 أو 2019 من ذلك الاتفاق الذي أُبرم في عهد أوباما سعياً لعزل إيران أكثر وإضعافها بوصفها الخصم الرئيسي لإسرائيل. ومن ثم، فإن الولايات المتحدة، في الوقت الذي كانت تقول فيه إنها تفاوض، كانت في الواقع تدعم إسرائيل باستمرار في تلك المواجهة العسكرية. وهذه هي اللعبة المزدوجة التي دأبت واشنطن على ممارستها؛ خداع الرأي العام بالقول إنها تتفاوض، وتدافع عن حقوق الإنسان والقانون الدولي وتسعى إلى الاحترام المتبادل للسيادة، بينما هي في الحقيقة الشريك العسكري الرئيس. فأكثر من 60٪ من الأسلحة التي تصل إلى إسرائيل تأتي عبر الولايات المتحدة. أما الثلاثون بالمئة المتبقية فتأتي من ألمانيا، ونحو 1٪ ـ إذا لم أكن مخطئاً ـ من إيطاليا. غير أن الشريك الأساسي هو الولايات المتحدة.

فإذا كانت إسرائيل تعتبر نفسها ذات شرعية وقانونية ـ كما يُقال ـ لممارسة هذه الإبادة الجماعية، وللقصف في سوريا ولبنان واليمن وفلسطين وإيران، أي في كامل المواجهة الإقليمية، فإن ذلك لأنها ترى نفسها تمتلك سلطة أخلاقية مصدرها الإمبراطورية الأمريكية الشمالية التي تدعمها. وهنا يظهر بوضوح دور الولايات المتحدة، الذي يبين أن القانون الدولي والنظام العالمي ليسا في الحقيقة سوى نظام غربي صاغته واشنطن ومن أجل واشنطن، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية. واليوم هناك خلاف، بل وأصبح ذلك النظام متقادماً، خصوصاً مع دول مثل الصين وروسيا اللتين تعملان حالياً على تقويض ذلك النموذج الذي يراه كثيرون أقل فاعلية يوماً بعد يوم في مواجهة النظام العالمي الجديد مع بروز اقتصادات ناشئة، ومن ضمنها الدور المهم لإيران، ولا سيما بصفتها عضواً في مجموعة البريكس. هذه المجموعة التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وقد تأسست عام 2009. ثم انضمت إليها إيران عام 2023 مع مصر والإمارات العربية المتحدة. أما الأرجنتين فقد أعلنت في النهاية أنها لن تنضم. والمملكة العربية السعودية لا تزال مترددة بين الانضمام وعدمه. كما انضمت إثيوبيا، وكان آخر المنضمين إندونيسيا. وبالإضافة إلى الدول العشر التي تشكل اليوم البريكس، هناك شركاء مثل كوبا وبوليفيا، ودول أخرى مهتمة بالانضمام، وإذا أضفنا الدول الراغبة، فإن العدد يصل إلى نحو 40 دولة مرشحة للانضمام إلى البريكس، حيث بدأت هذه الكتلة في تقويض النظام العالمي الأمريكي عبر “إلغاء الدولرة”، ومواجهة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وسائر هذه الأدوات.

إن إيران تلعب دوراً محورياً في الشرق الأوسط. ولا ننسى أنها في عام 2023 بدأت عملية استئناف العلاقات مع المملكة العربية السعودية، حيث دخلت الصين كطرف أساسي في تلك المفاوضات. الصين، وهي إحدى دول البريكس، بينما لم تقبل المملكة بعد الانضمام إلى البريكس ولم ترفضه أيضاً. ومن ثم، تعززت العلاقات بين إيران والسعودية رغم أنهما كانتا خصمين بين السنة والشيعة، وهو أمر لا يسر الولايات المتحدة، التي كانت السعودية شريكها التاريخي في المنطقة، كما لا يسعد إسرائيل التي كانت تأمل أن تطبع السعودية علاقاتها معها، وهو ما أربك الحسابات. وهكذا يتضح أن دور الولايات المتحدة قد تراجع بدرجة كبيرة في هيمنتها.

في ظل لجوء الولايات المتحدة وحلفائها إلى مفهوم «الدفاع المشروع» لتبرير الهجمات الاستباقية، كيف ينبغي إعادة تعريف مفهوم الشرعية في الإجراءات الدفاعية للدول غير الغربية مثل إيران؟

إن مسألة مفهوم الدفاع المشروع هي أمر دأب الغرب على استخدامه باستمرار. فمنذ عام 1949، لم يطبق حلف الناتو، بوصفه منظمة بقيادة الولايات المتحدة، معاهدةً دفاعيةً قط، بل كان الأمر على العكس تماماً، وخاصة في القرن الحادي والعشرين، حيث شُنّت هجمات وعدوانات على ليبيا وسوريا وأفغانستان والعراق وحتى يوغوسلافيا السابقة في صربيا، رغم أن تلك الدول لم تكن تشكل تهديداً عسكرياً للغرب. وبالتالي، يتضح أن هذا المفهوم للدفاع ليس سوى كذبة.

فهو جزء من مجمل الخطاب الغربي الذي يضفي الشرعية على اعتداءاته على الدول الأخرى، من حصار وعقوبات وعدوانات عسكرية، إضافة إلى 800 قاعدة عسكرية أنشأتها الولايات المتحدة. ومن ثم، فإن لغة الديمقراطية ولغة الدفاع ليست سوى أكذوبة تُستعمل في كل مناسبة لاستمالة الرأي العام وتصوير الآخر على أنه الشر والعدو. ولهذا السبب، يزعمون أنهم مضطرون لاتخاذ إجراءات مختلفة للدفاع عن هذا النموذج من الحداثة والديمقراطية الغربية.

ومع مرور الوقت، يتضح بشكل أكبر أن الولايات المتحدة، وخاصة مع ما يجري الآن من دعمها للإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة، إنما تكشف أن كل ذلك في نهاية المطاف كذب. فإحدى أبرز الجهات المنتهِكة لحقوق الإنسان على المستوى الدولي هما بالضبط الولايات المتحدة وإسرائيل.

ومع الحركات الاجتماعية على المستوى الدولي التي تدافع عن القضية الفلسطينية، بات هذا الخطاب متقادماً. وهذه البلاغة تتقادم أكثر فأكثر ولم يعد منها شيء سوى الخداع والعرض السخيف والمغالطة. وكلما استُعمل أكثر كتبرير للهجوم، ظهر زيفه بوضوح أكبر. لذلك، فإن “الدفاع المشروع” ليس إلا وهماً وباطلاً، وما يقومون به في النهاية هو العدوان، من أجل مواصلة السيطرة الدولية والإبقاء على توابعهم في الدول التي تخدم مصالحهم الاقتصادية والمالية والسياسية وحتى الثقافية. وهذا هو جوهر الإمبريالية الأمريكية.

في حال اندلاع حرب أوسع بين إيران وإسرائيل، برأيكم من هم اللاعبون المسؤولون الرئيسيون عن إشعال هذا الصراع؟ الإعلام الغربي عادة ما يصور إيران كطرف بادئ، فهل هذه الصورة واقعية؟

في حال وقوع حرب بين إيران وإسرائيل، سيتضح جلياً أن الأمر ليس مجرد مواجهة بين دولتين فحسب. بل سيؤدي ذلك إلى صراع إقليمي ودولي. ولا ننسى أنه كما ذكرنا، لإيران علاقات جيدة مع دول البريكس، ورغم أنها ليست عضواً في البريكس كتحالف عسكري، إلا أن لديها علاقات عسكرية قوية مع روسيا والصين. ومن الواضح أنه إذا أُسقطت إيران، فإن الغرب مع إسرائيل سيسيطران على الشرق الأوسط. ولهذا هناك دول تدعم إيران في هذا الشأن، حتى في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية التي أشرنا إليها. لأن سقوط إيران يعني أن الغرب قد يتدخل ضد روسيا أيضاً، كما يحدث في حرب أوكرانيا، وفي النهاية يسعى لإسقاط الصين، وكذلك كامل تحالف التعاون جنوب-جنوب (بريكس). ومن الواضح أن دونالد ترامب قلق جداً وفرض رسوماً جمركية على دول البريكس لأنه يعلم أن ذلك يقوض هيمنة الولايات المتحدة.

وهذا يوضح أكثر فأكثر كيف أن هذا الصراع بين إسرائيل وإيران، رغم أن إسرائيل ليست عضواً في الناتو، إلا أن لديها حلفاء عسكريين من أوروبا والولايات المتحدة. بينما دول البريكس، وإن لم تكن تحالفاً عسكرياً، ستشهد تعاوناً سريعاً. إيران أجرت عمليات تدريب عسكري كبرى مع روسيا والصين. وبالتالي، فإن إسقاط إيران يعني إسقاط جزء من مشروع البريكس، مشروع التعاون الاقتصادي والثقافي وجنوب-جنوب الذي يتابعونه. وهذا لا يهدد إيران فحسب، بل يهدد أيضاً مكونات أخرى مثل البرازيل وجنوب أفريقيا؛ ومثال على ذلك محاولات التدخل التي قام بها دونالد ترامب عبر الرسوم الجمركية ضد البرازيل. الدول التي تشارك في ديناميكية النظام العالمي الجديد ستتعرض أيضاً للتهديد. إنه ليس مجرد صراع ثنائي، بل سندخل في صراع إقليمي ودولي.

كما يجب أن نأخذ في الاعتبار أن إسرائيل تملك قنبلة نووية ولم تنكر ذلك قط، وبالتالي تنتهك القوانين الدولية. فهي ليست عضواً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بينما كانت إيران تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وشهدنا استياءً من تلك الرقابة لأنها لم تقم بالسيطرة الموضوعية اللازمة. في حين أنهم فرضوا كل هذه الرقابة على إيران، لم يفرضوها على إسرائيل، وإسرائيل لم تنكر أبداً امتلاكها للقنبلة النووية. ولهذا السبب، فإن هذا الصراع سيكون صراعاً على مستوى حرب نووية، مما يعرض المجتمع الدولي بأسره للخطر، وليس فقط دولتين في المنطقة، وهذا أمر واضح. ولهذا السبب، في أولى المواجهات التي وقعت عام 2025 بين البلدين، يجب أن نركز على كيفية حل هذا الوضع، لأنه تهديد، خاصة فيما يتعلق بإسرائيل. كما قلنا، إسرائيل لم تخضع لأي رقابة ولم تنكر يوماً امتلاكها القنبلة النووية؛ فهي عسكرياً جاهزة. إسرائيل شريك الولايات المتحدة، القوة العسكرية رقم واحد، وهذا يخلق توتراً وخوفاً دائماً في المنطقة بأسرها. وأكرر، إنه تهديد أيضاً على المستوى الدولي، بسبب دورهم في الانتهاك المستمر للاتفاقيات الدولية في مجال الأمن.

أما عن كيفية إحداث تغيير في هذا الوضع الذي نقوم بتحليله، نحو وضع أكثر توازناً، فمن الواضح أن المؤسسات الدولية يجب أن تتغير. لقد فشلت الأمم المتحدة في جوانب عديدة. المجلس الاستشاري للأمم المتحدة أصبح متقادماً. لم يعد من المقبول أن تظل خمسة بلدان فقط، جاءت من الحرب العالمية الثانية، هي المتحكمة، في وقت كان فيه 51 بلداً فقط، بينما الآن هناك 193 بلداً. يجب أن يتغير هذا الوضع عبر إشراك أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، وبشكل عام الجنوب العالمي، ليكون لهم مشاركة وحق أكبر في القرار، وأيضاً عبر تمكين القوى الصاعدة التي تلعب دوراً محورياً على المستوى الاقتصادي والدولي. وبالتالي يجب أن يحدث هذا التغيير.

ولتغيير هذا الوضع، إلى جانب إنشاء منظمات ليست دولية حقاً وإنما غربية، يجب أن يكون للمحكمة الجنائية الدولية دور أكثر حياداً بكثير في اتخاذ القرار بهذا الشأن، ومن ثم النظر في كيفية تغيير جوانب المجتمع الدولي. لقد كان هناك فشل، خصوصاً منذ سقوط جدار برلين. هيمنة الولايات المتحدة ظهرت بوضوح وقد استغلوها، كما حدث في الهجوم على العراق الذي كان غير قانوني تماماً وانتهك المعاهدات الدولية. حتى حين كان مسار المفاوضات بشأن رفع العقوبات جارياً، اتضح بجلاء أن الأمر كذب، ولم يكن هناك أي أسلحة دمار شامل، وإنما أكاذيب متواصلة.

وهذا يبين أن الظروف يجب أن تتغير، وأن يُمنح دور جديد لدول مهمة مثل روسيا والصين والبرازيل والدول الأفريقية ونيجيريا وجنوب أفريقيا ومصر، التي يجب أن يكون لها أيضاً صوت ورأي في كل هذه القضايا. وإلا سنواجه مجدداً عالماً تحكمه الاستعمار والاستعمار الجديد، رغم المقاومة العالمية المهمة المتزايدة والتعاون المتنامي جنوب-جنوب والدور البارز للبريكس. الولايات المتحدة هي الدولة التي لا تقبل هذه التغيرات الدولية، ولديها حلفاؤها وتوابعها. الاتحاد الأوروبي واضح أنه تحت سيطرة الناتو وخاضع له. حالياً ارتفع الإنفاق العسكري للناتو من 2٪ إلى 5٪. الدول التي كانت أكثر حياداً، مثل السويد وفنلندا، انضمت إلى هذا الحلف. هذا الدور العسكري واضح للعيان. الولايات المتحدة أيضاً اقتصادها قائم على الحرب. فهي تزدهر عبر الصراعات. ولذلك فإن 800 قاعدة عسكرية وميزانياتها العسكرية التاريخية جزء من اقتصادها. يضاف إلى ذلك المجال المالي، إذ فقدت الولايات المتحدة كثيراً من أصولها الإنتاجية، ولهذا يحاول دونالد ترامب عبر الرسوم استعادة الإنتاج، ما يجعل اقتصادها غير مستقر لأنه قائم فقط على اقتصاد الحرب والاقتصاد المالي في الأساس. ويمكن أن نرى كيف أن دولاً أكثر إنتاجية أخرى، مثل الدول المنتجة للمواد الأولية أو العناصر النادرة، كالصين وروسيا، تلعب دوراً متزايداً في هذا، كما أن إيران، الدولة المهمة جداً في مجال النفط والغاز وعضو الأوبك، تؤدي دوراً أساسياً.

هل تعتقدون أن السياسات العدوانية لإسرائيل في المنطقة والدعم غير المشروط من الولايات المتحدة لها، هي من أسباب استمرار عدم الاستقرار وتوسع الصراعات في الشرق الأوسط؟
من الواضح أن الولايات المتحدة وإسرائيل لن تتخليا عن هيمنتهما، وهنا من المهم أن نلاحظ أن دول الجنوب العالمي، مع البريكس، تنفذ استراتيجيات مختلفة من أجل نظام جديد، حيث تلعب الثقافات المختلفة، النماذج المختلفة، والدول المختلفة دوراً أساسياً، ليس فقط في ثنائية الخير والشر أو الغرب وغير الغرب، بل أيضاً في تحقيق عالم متعدد الأقطاب. ولكن الأهم من ذلك هو أن الدول الشريكة للولايات المتحدة، والتي ما زالت الركيزة الأساسية لها، هي ذات أهمية بالغة. وهنا يتضح دور الاتحاد الأوروبي. يجب على الاتحاد الأوروبي أن يقرر ما إذا كان يريد الاستمرار في فقدان سيادته وأن يسمح لسياسات واشنطن بأن تقرر ما يجب على أوروبا فعله. هذا الأمر أدى إلى نمو اليمين المتطرف وزيادة الاستياء من الاتحاد الأوروبي، لأن هذا كان سلاحهم الثابت، مثل فرض العقوبات على روسيا التي أضرت باقتصاد أوروبا نفسها. وبالتالي فإن لأوروبا دوراً أساسياً. إذا أردنا سحب القوة من الولايات المتحدة وإسرائيل، فيجب على أوروبا أن تقرر ما إذا كانت ستدخل أخيراً في تعايش أكثر سلمية، سلام، وبناء علاقاتها الدولية مع دول أخرى، أو أن تستمر على نفس المنوال. نحن نشهد لحظة من التوتر. لذلك، يجب على أوروبا أن تدرك أن لها دوراً واضحاً وأساسيّاً جداً في هذا المجال، وهو دور يبدو حالياً إما أنها غافلة عنه أو غير راغبة في استخدامه وما زالت تحت هيمنة الولايات المتحدة. هذا يخلق حالة من عدم الاستقرار الدولي الكبير، وسنرى أن الأشهر والسنوات القادمة لن تحمل أخباراً جيدة.

نأمل أن تزداد يوماً بعد يوم المفاوضات والبرامج الرامية إلى تغيير النظام العالمي، وأن يُعطى صوت أكبر لشعوب الجنوب، وأن يكون للتعاون جنوب–جنوب حق أكبر في اتخاذ القرارات في كل هذه الأوضاع، حتى تُحل النزاعات بشكل سلمي. مع الأخذ بالاعتبار أن الشعب الفلسطيني يعاني بوضوح من الإبادة الجماعية. إيران قدمت دعماً واضحاً لفلسطين، ويجب أن يكون لها إقليمها، وانتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها نتنياهو، والتي تُعد إبادة جماعية، يجب أن تُدان دائماً، وعلى جميع الدول أن توحد قواها لإنهاء هذا الوضع.

لینک کوتاه خبر:

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *